وَحِيدُون[1]
- كتبه: خوان خوسيه ميّاس
- ترجمة: أحمد نور الدين رفاعي
بعد عدة أيامٍ من وفاة صديق لي كان يحيا بمفرده، طلبت مني أختهُ مساعدتها في إفراغ منزله. كنت خائفًا من أن يكون المنزل لم يتم تهويته وأن هناك روائح حميمية لا زالت تطفو في المكان، أو إن كان حوض المطبخ مليئًا بالأواني، أو أننا سوف نجدُ ملابس قذرة في الحمام … ولكن لم يكن بمقدوري الرفض وذهبنا إلى هناك وبمجرد أن فتحنا الباب وخطونا خطوات قليلة، أدركنا أمرًا غير عادي بمنزل رَجُلٍ أعزب. لقد كان كل شيء في مكانه، هذا فحسب: بل كان الجو مريحًا تمامًا، كما لو أن كل شيء قد وضع في مكانه، وبشكل مناسب جدًا، وكان الهواء معطرًا بروائح الفواكه الحمراء التي يمكنك ملاحظتها دونما أن تنفر منها.
جاءت المفاجأة لمَّا وصلتْ للمطبخ، فوجدت امرأة شقراء جالسة على منضدتها، مرتدية بيجامة حريرية، أمامها فنجان قهوة. استغرقنا ثانية حتى أدركنا أنها كانت دمية رائعة ذات حجمٍ طبيعي، حيث أنها نسخة مذهلة لمجسم طبق الأصل لإنسان حقيقي:من شعرٍ، وملمسِ جلدٍ، وفمٍ، وعينين إلى آخره… لقد كان كُل شيء وكأنه ذريعة للخداع. كنا مقابلين لمستنسخ أنثى جميلة، ولكنها في الوقت نفسه كارثة مَشْئومة. فبقينا للحظةٍ صامتين أنا، وأخت صديقي ثم أردفت قائلة: “لكن ما هذا؟” “أرملته”، جازفتُ أنا. وأردت أن أحييها بشكلٍ حقيقي جدًا كما بدا مظهرها، ولكنني كبحتُ نفسـي عن فعل ذلك كي لا أبدو وكأنني رجلا مجنونًا. ثم تبددت الذرائع
التي وضعها صديقي مؤخرًا كي لا يخرج من بيته. حيث أنه كان دائمًا مشغولا.
وقتئذٍ غادرنا المنزل دونما أن نجرؤ على جمع أي شيء، وتركنا الأرملة أمام فنجان قهوتها. وهي هناك ستكمله، كما أظن، إلى أن تشيخ، وإن حتى لم أعرف حتى اسمها، فيا للشفقة. ¡فكيف سيتمكن الوَحِيدُون من أن يبقوا على قيد الحياة!
نبذة عن المؤلف:
خوان خوسيه ميّاس
ولد ميّاس يوم 31 يناير سنة 1946 في بالنثيا بإسبانيا، وانتقل للعيش بمدريد وهو في السادسة من عمره وبقى بها حتى الآن. وأنهى دراسته بحصوله على ليسانس الفلسفة والآداب من جامعة كومبلوتس وهو الآن يعمل كصحفى وروائي ويعد أحد أهم الكتاب الإسبان المعاصرين ومقالاته لا تقل جمالاً من الناحية الأدبية عن مؤلفاته القصصية والروائية ما يربط أعمال “خوانخو” كما يلقبونه بالخيال والفلسفة والنظرة المجردة كَتَبَ خوسيه ميّاس عددًا كبيرًا من الروايات كان أولها رواية: “العقل هو الظلال” عام 1974 ثم العديد من الروايات والمجموعات القصصية كان أهم ما نُقِلَ للعربية روايتي العالم، وهكذا كانت الوحدة وغيرها. عرفَ ميّاس على الساحة الأدبية وترجمت أعماله لأكثر من 15 لغة فلقد حصد العديد من الجوائز أهمها جائزة “بلانيتا” وهي أكبر جائزة أدبية تمنح في إسبانيا.
نبذة عن المترجم:
أحمد نورالدين رفاعي
شاعر ومترجم مصري؛ ولد بالجيزة فى 25 يناير عام 1993 بجمهورية مصر العربية. تخرج في كلية الآداب، قسم اللغة الإسبانية، جامعة القاهرة عام 2015 عمل محاضرًا ومترجمًا للغة الإسبانية بمعهد اللغات للقوات المسلحة خلال عامي 2017:2016. بالإضافة للمشاركات العديدة في الندوات والمؤتمرات المحلية، والدولية المتخصصة في دراسات الأدب، ومقارنة اللغات. نشرت له مئات القصائد، والقصص، والمقالات المترجمة من وإلى الإسبانية بمصر والدول العربية و بأوروبا في متحف الكلمة “إسبانيا”.
- البريد الإلكتروني للتواصل: Ahmednoureldeen1993@gmail.com
[1] نشر النص الأصلى بجريدة الباييس – El País
التعليقات مغلقة.