محسن البلاسي
كانت الحركة الرومانسية في وقتها هي التي أعادت اكتشاف الروعة والدهشة وأعطتها أهمية ثورية حافظت عليها حتى يومنا هذا والتي سمحت لها بالعيش مثل الخارجين عن القانون، ولكن للعيش مع ذلك أقول خارجة عن القانون لأن الشاعر الحقيقي لا يمكن أن يعترف به على هذا النحو، إذا لم يعارض العالم الذي يعيش فيه عبر الانفصالية التامة، إنه يخوض المعارك مع الجميع حتى مع الثوريين الذين يتخذون وجهة نظر سياسية بحتة والتي يجب أن تكون بمعزل عن الحركة الثقافية ككل.
وللذين يدفعون فكرة أن الثقافة يجب أن تفسح الطريق لإنجاز الثورة الاجتماعية.
لا يوجد شاعر أو فنان يعي مكانته في المجتمع لا يعتقد أن تلك الثورة التي لا غنى عنها هي مفتاح المستقبل.
ومع ذلك فإن فكرة إحالة الشعر والحركة الثقافية في مجملها بديكتاتورية إلى حركة سياسية ما، تبدو لي رجعية بقدر ما تريد عزلها عن السياسة تماماً.
البرج العاجي هو الوجه الواحد للعملة الظلامية.
الوجه الآخر هو الفن البروليتاري؛
في حين أن الرجعيين يرغبون في وضع الشعر كمعادل للصلاة الدينية، والثوار السياسيين ملائمون لخلط الشعر وإرباكه مع الدعاية السياسية.
ليس لشاعر اليوم خيار آخر سوى أن يكون ثورياً أو لا يكون شاعراً،
لأنه يجب أن يلقي بنفسه بانتظام إلى المجهول، الخطوة التي أتخذها أمس لا يمكنها الاستغناء عن الخطوة التي سيتخذها غداً لأن كل يوم يجب أن يبدأ كل شيء من جديد.
حتى ما اكتسبه وهو نائم يتحول إلى رماد عند الصحو.
هناك لا توجد حركة آمنة حيث لا يوجد لديه ما يستقبله، لا مديح ولا أمجاد،
ولكن حيث وجب عليه أن يعطي كل قوته لمهمة هدم متاريس العادات والروتين، المتاريس التي تستمر في الارتفاع.
اليوم عليه أن يكون الشاعر الملعون.
تلك اللعنة يلقيها عليه المجتمع تشير إلى موقفه الثوري، لكنه سيخرج عن حياءه المفروض وسيوضع على رأس المجتمع حين ينشق من الأعلى إلى الأسفل. وحين يعترف بالأصل الإنساني المشترك بين العلم والشعر.
بعد ذلك سيقوم الشاعر بالتضافر النشط والخامد مع الناس بابتكار أساطير مجيدة ترسل العالم بأسره.
التعليقات مغلقة.