تيرنس ونش[1]
أرادوا من صِهري أن يقتلَ الجواد. قالوا “هذا الجواد يجب أن يموت”. صهري يحب الجياد ولا يريد قطعاً أن يقتلَ أحدها. لكن ماذا يفعل؟ فمَن قال “هذا الجواد يجب أن يموت”، أثرياء متسلّطون. يملكون أشياء كثيرة ـــــ الجواد منها. وما يقولونه نافذ. لو قالوا لك “لُطْ نفسكَ”، فعليك أن تفعل. ولو قالوا “اقهر نفسك”، فاقهرها. ولو قالوا “كُلْ خراءك”، فعليك أن تأكله. عليك أن تلتزم بما تؤمَر. قالوا له “هذا الجواد يجب أن يموتَ. اقتل الجواد”. فجلب صهري بندقيته.
.
كنتُ مرة في الغابة مع صهري. كان منتصفُ الشتاء وكلانا يلبسُ أحذيةً للثلج. وصلنا إلى جدولٍ عميق في الغابة وأخبرني إنه سيروح ليتفحّصَ شيئاً وعليّ أن أنتظره. فوافقتُ. تركني وانتظرتهُ قرابةَ ساعةٍ ونصف حتى عاد. خفتُ أن أتحرك لكيلا أتوه. أيقنتُ أني قد يهاجمني خفّاش، ثعبان، دبّ، أياً ما يعيش في الغابة. لكنه عاد أخيراً قبل أن يَصدُف ويهاجمني شيء. مرة أخرى أعطاني بندقيةً لأحملها في حالِ لو صادَفنا قطاً برياً. وقد أُعلن وقتها عن جائزةٍ بشأن القطط البرية، فلو قتلتُ أحدها، لجنيتُ بعض المال.
.
لا يريد قطعاً قتلَ الجواد. لكن عليه قتلهُ لأنه أُمِرَ. فجلبَ بندقيته وسار رأساً إلى الإصطبل. كان رجلٌ شرقيّ يراعي الجوادَ. مشىى صهري إلى الشرقيّ قائلاً “أتيتُ لقتلِ الجواد”. فسأله الشرقيّ عن السبب. ردّ صهري “لأني أُمِرتُ”. فجلب الشرقيّ الجوادَ خارج الإصطبل لأجل أن يقتله صهري.
.
كان يوماً رائعاً حقاً، يوم قتلَ صهري الجوادَ. فالشمسُ ساطعةٌ والجبالُ الخُضر تبدو بديعةً. كان الجواد جميلاً ومحبوباً. شرعَ الشرقيّ في الصراخ. حدّق الجوادُ في صهري. لكن صهري ردّ البصرَ إليه. قال للجواد “أتيتُ لأقتلكَ”، ورفع بندقيته، مصوّباً على رقبةِ الجواد.
.
لكن الجواد أقلعَ، متّجهاً إلى الغابة. كان الدم ينبجسُ من رقبته. فأقلعَ خلفه صهري. فوراً صار كلاهما بالغابة والدم يشخُبُ من رقبةِ الجواد على الشجر. صوّب صهري على مؤخرةِ الجواد، فبدأ الجواد ينزفُ أيضاً من مؤخرته. لكنه ظلّ يركض وصهري في إثره. ظلّ صهري يتابعه، ثم تعبَ. لم يكن يعرف كم يملك الجواد من دمٍ بداخله. غضبَ من الجواد. فصرخَ عليه “سأقتلك، يا ابن القحبة. سأفجّر رأسكَ، يا ابن القحبة”. وأحبطَت المحنةُ صهري.
.
تغطّى صهري بدمِ الجواد. ظلّ يتابع الجوادَ عشرين دقيقةً، والجوادُ يمضي ويمضي. يبدو أن دمَ الجوادِ الأحمر القاني ترشّشَ عبر الغابة. عرفَ صهري أنه لن يستطيعَ مجاراةَ الجوادِ فترة أطول. لم يعد الجواد مسرعاً، لكنه لم يتوقف طويلاً أمام صهري ليصوّب سديداً في يافوخه.
.
انهار صهري أخيراً، والجوادُ ظلّ يمضي. رقدَ على الأرض دقيقةً، منتقعاً بدم الجوادِ الحارّ، وحين رفعَ بصرَه، لم ير ثمة أثرٌ على الجواد، عدا سرسوبٍ من دمِ الجواد. نهضَ صهري قائلاً “أنت ابن قحبةٍ غادر”. فماذا سيُبلغ مَن أَمَروه أن “هذا الجواد يجب أن يموتَ”؟
.
تهادى صهري عائداً إلى الإصطبل حيثُ صوّب بدايةً على رقبةِ الجواد. الشرقيّ هناك، لا يزالُ يبكي. حين رأى صهري مبتلاً بالدمِ، صار في منتهى الرعب.
.
كان صهري غاضباً محبَطاً حتى أنه صوّب على وجهِ الشرقيّ؛ يقتله، قال “أنتَ ابن قحبةٍ غادر”. رفع الشرقيّ يدَيه أمام وجهه وهو يصوّب عليه، لكن لم يعد ثمة غير عصيدةٍ من الدم وقد ماتَ من فوره.
.
تفهّمَ مَن أَمَروه أن”يقتلَ الجواد” الوضعَ، حين وضّحَ صهري ما حدثَ. قالوا “قد يحدُث”.
(1975)
[1] Terence Winch: ولد في نيويورك عام 1945. نشر ثلاثة دواوين: “دفق الأشياء” 2001، “ضمن الديار العظيمة” 1995، “عازفون أيرلنديون/ أصحاب أمريكيون” 1986. سجّل 3 ألبومات مع فرقة “سيلتك ثاندر” الأيرلندية في 1977. (م)
التعليقات مغلقة.