القاهرة _ شارع عماد الدين الثالثة فجراً.
حين تلتحم الأجساد الرطبة للمومسات قسرياً، تضحى السماء حانة والآلهة قوادين بشوارب من القش.

وقصيدة عجوز تلقي نظرة خاطفة على كومة من جثث النحاة العاهرين
وأنا اتراقص في تابوتي المنحوت في صدري
تفوح لزوجة الخدر لتعبئ مسرح متدرع بالمرايا
والسكارى تحولوا لأعمدة للمعبد
والراقصة أضحت زرافة خضراء بثمانية أرجل.
تتطاير كرات مضيئة في الأفق
تستحيل إلى أناشيد العزلة المزدحمة بعرق الإخفاقات المتتالية
وأمام المعبد المهلك، المشيد بعرق أفخاذ سيدات أربعينية لم تلعق نشوتها قط،
كل الأشكال تحترق، ويتداعى في الخارج فحيح سيارات تبلغ من العمر مائة شهقة،
والجوقة تبلع حناجرها
لهذه طاولة ذاكرة من صمغ وخيوط
معدتي ……………….. جالون من الصراخ المرتعد
أتجرع خوفي من عنكبوت سلطة الأب متعدد الأوجه
والمقذوفون من الذكرى
يلوحون.
يامن تبحلق في أسناني المحطمة
ضعني في علبة الثقاب واغلقها جيداً، وانزع ضجيج انسكابنا في كوب التاجر الأكبر،
وضع معي
تلك الكراهية البارعة في الهذيان الموجه
لأنقش هذا الحلم على بظر المدينة المنتصب كمدفع الهاون المصوب نحو صدري، لأنقشه وأتذكر حين أشيخ ويكبر أبني وأسرد له قصة القواد الغفير حينها سيصبح صيادا لجنادب الأرق
وأستحم بالضباب
وتلعقني الغفوة الدائمة وصور لا تنزف الذكرى
ربما
تنقرض طفيلات أوهام الحقائق
وأكون
أضرحة نحاسية طائرة
يبول على الشارع الأعمى
وأضع إصبعي الماسي في مؤخرتك، أيتها العلاقات الإنتاجية المعقوفة بمخاط النازية الوليدة.
وأكون تنين يلوح بجناح ذئب سكن بياض التبت وانتهى به الحال في علبة ثقاب
وكهف ورموز ورحيل.
أيتها العين المفتوحة على الشعب المكلس بحمض الكبريتيك
وابتلاع الأدمغة لزيت الحاجات وقاذوراتها الشبقية،
اطلقيني في شبكيتك لأمزقها
كقرد محطم الأسنان
ذو أذن حبلى بدهشة تمزق قوانين البصريات الصدأة
يا مدينتي:
تعوم على مؤخرتك الأسمنتية أكوام أطفال متوحدين مع أياديهم المبتورة .
أتذكرين موسيقاك العائمة في سديم مغناطيس السقوط الحر
وتذكريها لتخلعي المسامير المرشوقة في نهود العجائز.
يا مدينتي الممضوغة في أفواه السماسرة
يا مدينتي؛ السلاسل الغليظة تتحرك في أذرعهم، حيث لم يعد للذاكرة صدر ليتكسر
أيها الضعفاء، أنفجروا من العلب التي تسكنوها، وأقرعوا أجراس النار المحظورة.
القاهرة _ بوابة دار الأوبرا:
لا مساحة كافية لموسيقيين ببذات القتلة يوزعون كروت الدعاية النازية على باب الأوبرا.
(ممنوع دخول البشر)
خور الرغبات المحروقة يهتز …………………………
ززززززززززززززززززززززززز
كان صوتي قادمًا من بعيد، كما لو كان من بطن حوت ضخم، أتذكر هذا ولا يمكنني أن أنسى وحشية الحشرجات الملتهبة الصادرة منه، وغيوم الليل الوامضة بلسعات الإرتجاف تحملني نحو مسلخ الزهايمر الأزلي.
للنهر في الأسفل لحية من الضوء الأزرق
لكنني سأنام بينما أطير وأهبط، وتصبغني أتربة هواجس التكيك القدسي،
أتذكر ………………
كنت واقفاً أسفل برج القاهرة الشهير،
كانت أمي جالسة على قمة البرج، تضرب بقدميها الأرض بقوة.
ركضت، وفتيات بأثداء طويلة تركض في الاتجاه المعاكس.
كانت الأشجار على الطريق تنزف دماءا سوداء، وكان موظفو البنوك العائدين من مشانقهم الخشبية يتبخرون بياقاتهم البيضاء. كثير من الناس رمي ما تبقى من جثثهم المتبخرة في النيل.
يحكى أنه منذ سنوات طويلة في هذا الشارع
كانت تأتي مومس ليلاً وتخلع رداءها وتزحف النجوم من ثقب مؤخرتها وتعود إلى السماء،
لكن
ما تبقى من الشارع بعض المؤخرات المحترقة والتي يفوح منها رائحة العطور الدينية الخبيثة،
كنت أسير عارياً، وكانت صور المركيز دو ساد ملقاة على الطريق.
ارتطمت قدمي بزجاجة غراء ملقاة على الأرض، فتحتها وسكبتها في عيناي،
نظرت إلى الوراء، ولم أجد والدتي، ولم أجد البرج، ولم أجد الأشجار.
هناك صوت رخيم يأتي من أعلى البرج ويكرر السؤال:
ما الفرق بين المقولتين:
خلقتم فوق بعض طبقات،
أو خرائية نيتشه: وخلقنا فوقكم السوبر مان ليتدلى قضيبه في أفواهكم.
وها أنا لم أجد سوى ساحة واسعة مليئة بالملابس الممزقة، دون أجساد .
كانت هناك علامة معلقة عند مدخل الساحة،
مكتوب عليها: (أنت لست هنا ولن تكون)
أنت هناك، حيث الغابة تحترق وتتجعد وتطلق جثث الكنغرو المحترقة نحو السماء.
للسماء إهداء: رماح من نار تتساقط فوق رأسي.
هناك يافطة
مكتوب عليها: (هذه ليست رأسك)
هذه بيضة سيفقس منها قطط بأجنحة تضحك كطحالب مستنقع الوقت.
وتسقط رضيعة على الأرض الكاذبة ويرتعش جسدي ثم يتخشب ويبدأ في التشقق ذو الصوت المتصلب.
النظام الفيزيائي يتغير.
أنا خشبة، شجرة بلوط، أغصان لزجة ملطخة بالسائل المنوي للذكرى.
وأخيراً دخلت الأوبرا:
________________
فاصل (أتقلب على السرير وأهرش في عانتي بقسوة)
الصور تتراقص على خيوط العنكبوت…
المعنى مازال مكتوم ومرتبك
القفص يرتج بأصوات ساكنيه، جدارية صوتية، الهواء لم يعد رقما في المعادلة، العرق الساخن يلكح القضبان
___________________
عدت إلى الأوبرا
كان المشهد في القاعة كالتالي:
**********
القاهرة، حي عابدين:
في ساحة القصر، أشعر بحرية التجوال في الذاكرة المغزولة للمكان منذ ثلثمائة عام.
القمر يرسل زخات من البول المختلط بدماء الإقطاع
هناك مسرح تم نصبه في منتصف الساحة وقرود عديدة تتقافز فوقه، بينما أغنية إسماعيل ياسين وسعاد مكاوي مسموعة في الأفق
(عايز أروح ……. متروحش …….لازم اروح …….. متروحش)
هناك أخبار متداولة بين المستمعين بأن حديد كوبري إمبابة قد ذاب وسقط وهو مشتعل في النيل.
عاد حي عابدين كما كان في القرن السابع عشر.
مجموعة من البرك الراكدة ذات المياة السوداء ومجموعة متراصة من المستنقعات تكسر أجسادها ذات الرائحة العتيقة سلسلة من الهضاب والكثبان الرملية والقلاع.
نابليون بونابرت يتبول في إحدى البرك.
وأنا هنا، ذئب خشبي يتواصل مع آلهة الأزقة عبر صوت احتكاكات فقرات عموده الفقري.
هناك وفرة من الفرائس تفوح منها رائحة البراندي الرخيص.
عدت إلى الأوبرا:
ما زلت شجرة بلوط، أو ربما شظية تم طردها من موجات ضوئية مسافرة إلى اللا لغة .
النجوم تبحلق من أعلى وهي حبلى بنفس القطط ذو الأجنحة الطحلبية، وتنظر إلى أسفل.
وعاد برج القاهرة أمامي، ولم تعد أمي التي كانت تجلس فوقه وتدلي أرجلها.
وأنا يصلون فوق جبهتي رافعين أياديهم نحو الغوريلا الجالسة في أذني الوسطى،
وأنا شجرة والاشجار لقيطة بلا آباء أو أمهات،
فقط أغلال سفلية _ جذور _ ،
صامتة تغوص نحو بحيرات نفط الرغبات الحبيسة.
عدت أركض أمام البرج، والبراعم تشقق صلابة الغراء على عيني، لتخرج إلى الظلام مرة أخرى.
جنود بلا أوجه يمدون أياديهم المطاطية نحو صدري الخشبي، وأنا لي صوت جندب،
ومن أجل هذه الذاكرة الصامتة كالثلج، من أجل مطاردة صدى صوت الإخطبوط السائر على رمال المحرقة النيوليبرالية، هروبا من مباراة البهائم السامية،
أحك الكيس الداكن المعلق بين فخذي
هروبا من التماعات الذهب الغائص في الدم، نحو إغماءة فسيحة وانعدام كلي، أركض، وأتقيئ مسامير الرغبات اللصوصية، ترسم جذوري خطوطاً مستقيمة من آثار جثث قليت في زيت الإحتمالات السلعية.
_____________________________
فاصل: (أستيقظت وأحرقت لفافة تبغ داخل صدري، وعدت للنوم _ للحياة في الهزيع الأخير من الليل)
________________________________
كل النمل في الزنازين وأنا أجوب المدينة المفرغة إلا من دماء الذكرى المجففة بزيت السوط ، لو كنت نملة بلا يقين كنت سأنخر في أعمدة الأرقام لتسقط.
هناك شمعة مشتعلة أقبض عليها بشفتاي، تحرق أنفي ويتصاعد الدخان داخل
العلبة. مدى رؤيتي يتشبع باللون البنفسجي إذ أتحرك يبدو الهواء كقاع بحر سحيق، النهار، الليل، البحر، الصحراء……………. أفق مدفون في محجر عيني، أسمع حشرجات وحشة الإيغال داخل محرقة تبتسم.
أمعائي شريط قطار مصنوع من ماء الألسن التي أمتصها.
وسأمتصُّ المزيد.
التعليقات مغلقة.