في ساحة العدم – طارق حمدان

طارق حمدان – فلسطين

ـ وحيد على هذا الكوكب ـ

كنت وحيداً على هذا الكوكب
أرى الطيور لأول مرة
أعرف ألوان أزهار حمراء وصفراء وأرجوانية
أتحسس أجساد أشجار فارعة
أتكلم مع نسيم عليل
وأشتبك في رقص مع الرياح.

كنت وحيداً على هذا الكوكب
أتسامر مع ذئاب وديعة
أصادق فيلة ضخمة طيبة
أمرح مع قرود مشاكسة
وأركض مع ثعالب وغزلان.

كنت وحيداً على هذا الكوكب
ألعق وجه الأرض الرطب
وأظل أتمرغ في وحلها
حتى تأتيني الذروة.
كنت وحيداً على هذا الكوكب
تغمرني سعادة واطمئنان
قبل أن أسقط من حلم
وأعود ثانية إلى كوكب
فيه بشر واسمنت
وعوادم سيارات ومصانع.

ـ بعث ـ
ضحكت ضحكت
وتلويت تلويت
حتى انفصل رأسي

كانت كتفاي مكانهما
والرأس يضحك على الأرض
ولأنني أردت أن أضحك على السماء
تناولت الرأس
رفعته إلى الأعلى
وركلته نحوها
كان كلما اقترب إلى الأرض بادرته بركلة أخرى
هكذا مرت عليّ ساعات
إلى أن ركلت رأسي ولم يعد
انتظرت هبوطه دون جدوى
وعندما فقدت الأمل
عدت إلى البيت بدون رأس.

صرفت أياماً طوال
أشعر بقهقهاته تملأ السماء كل ليلة
قابلت كثراً كانوا يسألونني عن رأسي المفقود
وكلما شرحت لهم أنه ظل في السماء
أخذوا يقهقهون.
اليوم نهضت من السرير
فتعثرت قدماي بكرة سرعان ما عرفت أنها رأسي
تناولته
فعاد مطاوعاً إلى كتفي
نظرت في المرآة
وكان الوجه متيبساً
بعينين منطفئتين
وشفاه متشققة ولسان جاف.
كان من الواضح أن هذا الرأس
الذي أظنه رأسي فعلاً
قد تعب من الضحك
لدرجة صارت فيها الابتسامة
موجعة.
نزلت إلى الشارع
ولم أتمكن أن أمنع نفسي من الضحك ثانية
كان الجلد يتفسخ مع كل ضحكة
مصحوبة بآلام وكأنها خرجت من أعماق الجحيم
ضحكت ضحكت
حتى سقطت معفراً
بدمي المتيبس.
هكذا كنت قد مت من الضحك
قبل أن أبعث متجهماً
مرة أخرى.

ـ جيش من النمل ـ

الأيام عادية
كنت أخشى ذلك طويلاً
وعرفت أن الندم سيأكلني عاجلاً أم آجلاً.
منذ مدة طويلة وأنا
أتجمد كسلحفاة محنطة
لا شك بأن الضفادع تثير الإعجاب،
كثير من الضفادع سعداء،
كم حاولت أن أكون ضفدعاً وكان الفشل هو النتيجة التي صُدمت بها مراراً
نعم ..
أنا مصدوم لأن الندم أكلني،
أكلني
كجيش من النمل تحلق حول نحلة سقطت.
ها هي الكلمة تقعي أمامي ككلب ضرير
أتهجا حروفها الثلاث
ن
د
م
وأكتشف الآن فقط أن كلمة ندم هي انعكاس طبيعي لـ مدن.

ـ ميراث ـ

كان يأكل مع أشباح
يشرب مع أشباح
ويضاجع أشباحاً
يعتني بعناكب في رأسه،
في طرف سريره
في خزانة ملابسه.

عاش طويلاً
وفي يومه الأخير
فكَّر في الخروج لأول مرة
قصد الحديقة على ناصية الشارع
اختار مقعداً
ظل جالساً حتى انفلتت كرة باتجاهه
أقبل إليه طفل صغير
فوضع يده في جيب معطفه، وأخرج عنكبوتاً
مده إلى الطفل
فأخذ الطفل العنكبوت
ومضى إلى بيته.
هكذا تُوَّرث العزلة
كقطعة بونبون
تتناولها بمحض صدفة
من يد مصاص دماء طيب
وتمضي بعدها إلى البيت
الذي لن تخرج منه أبد الدهر.

التعليقات مغلقة.