عواء فاتن * هاجر سيد يوسف

هاجر سيد يوسف

منذ ثلاث سنوات إلتقيت شاب هادىء
وسيمٌ وكئيب
رموشه كثيفة كمصدات الأمواج
أسميته آش
تبادلنا القبلات وأملًا صغيرًا يرتجف
دفأته بشرشفي
وضعته بين نهداي على مهل
البحر شاسع ولئيم
سماؤه وإمتداد أخره كأركان تابوت
ينتظران فقط
أن يطبقان على جسد الأمنيات
مرةً
أتى آش
فرّط حزني كحبات رمان وأكله
الشارع طويل
والأسئلة أكياس فارغة
تدور في دوامة هواء
ونحن نمشي خلفها ونستجوب بحنق

كل شىء يذهب
حيث يذهب الرماد في الماء

قال آش
حادثيني
قلت السياسة مثيرة دائما
لا تجعلنا نفعل شيئا تجاهها بعد أن نفور
فقط نصب سائل غضبنا
في صلب سلات القمامة
هي مثيرة كالساقطة فقط
قلت أيضًا أعواد الريحان يا آش
تشبهك
تستمتع فقط بالهواء
لا تبحث عن معنى
الجميل أنك لست شاعر
سوى بما أقول أثناء قوله
لا قبل ولا بعد
التسكع له نفس المعاني كذلك

المساء هادىء
العصافير تثرثر بصوت خافت
منخفض أكثر من أدريناليني
أشعر بفوران كمشروب غازي
ماذا تقول العصافير؟
آش يدخن
ينظر لخيالات لا أراها
أنا آكل
هو يدخن
قال: عاداتك في تناول الطعام سيئة للغاية
مثل العصفور الخائف
كفاكِ تفكير وإستمتعي بالطعام
على كل حال
سنموت
تنهدت كالرأس الذي يُجهض قُطن وسادة
حدثته عن الطقس
وعن الهواء
عن أبي ونظارته
تقوده دائما إلى أشياء غريبة وهو يجول الشارع
إلى القطط والغربان
إلى العنواين السعيدة في الجرائد
إلى وجوه الأطفال التي تبيع المناديل الورقية
من ثم إلى رقم هاتف أمي
قال وكيف لا تقوده إلى ضحكتك؟

أفلت عيني إلى المتسع المرئي
أقبضها كاليد القلقة
أفلت
أقبض
النن يتأرجح كالبندول مع موج البحر
ويدٍ عارية بِت أألفها وطأت وجنتي

الأحاديث الوديعة تتكرر
والغير مجدية تستمر
آتى آش تحت منزلي كساعي البريد
يناديني بصوت اجش
مناسب لمزاجي اليوم للغاية
إبتسمت ولوحت من النافذة كطفل رضيع
غمز بعينه
كعدسة كاميرا محترفة

كنا نسير تارة ونقود تارة
قال حدثيني مجددًا
حدثته عن كرهي للقرى الصغيرة المظلمة
والأذان الذي يهجر أذني الساعة السابعة
دون نداءات
حتى الرابعة
حدثته عن الوحدة في منتصفهما
وعن الفجر الكفيف وأحلامي المبصرة
حدثني عن الظلال وقت الغروب
تسقط بتعامد على وجهه
سأل: أأكتسب وجهًا جديدًا؟
أم الشمس تشيخ كإمرأة عجوز ينكسر ظهرها؟
قال في كل الأحوال لا أختلف
عن رمسيس الثان
وقناع الظلال مناسب لبشرتك
عقّب ناظرا إليّ:
على النور أن يهدأ كذلك
سخرت منه..

ربما اللون هو النور
وأنت قريب
هذه الرحلة ربما تنتهي

كل شىء يذهب
حيث يذهب الرماد في الماء.

يوم آخر
بعد ساعات قليلة من الجري خلف
الإيقاع في النوتة الموسيقية
إنشطر الزمن إلى دقائق
ووجهينا أخذا يبدوان صورا فوتوغرافية
بعد مغادرتي جف منها اللون
وإنقلبت حواسي تلفاز قديم
منقطع الإشارة
عدت للمنزل
استبدلت رائحة رقبته وفمه
برائحة حساء ساخن
ودخان سجائر أبي
وبعد قليل برائحة جواربي
سكبت كلمات نيئة على المنضدة
وأسرعت للمرحاض
أستفرغ حزني

هاتفني
فتح نوافذ الليل في وجهي
وإنتقل عبء الحياة إلى صوت أنفاسه
بطيء وثقيل كالوحل
آه أخاف أن أعلق
وأنغمر حيث ينغمر الرماد في الماء..

اليوم التالي السماء تبكي
والشوارع غريقة كالحيتان في المحيط
ووجهتي تبدو بعيدة
مركب بلا شراع
ومنذ طفولتي لا أفهم للبوصلة
خرجت بكومة أعذار كثيرة
ومشاعر محتقنة
ونبضات قلبي تعلو
رنة المفاتيح في يدي
أشعر بقوة قهرية
تدفع للإغتسال تحت أسقف السحاب
وأمام مصارع عينيه

“مقهى جاف
قهوة وسجائر وعصير مانجا
الكثير من الحيوانات الضالة شأننا
جلس الصمت معنا
أمسك أفواهنا
حتى شعرنا أنها تتقرح

الساعة السابعة توقف المطر
كان جسد من أحب كالبناية المخالفة
في طريق عمومي
وكان جسدي كالحليب المتخثر
وبصخب نسمع:
سقوط قطراته أسفل أقدامنا

نحن معًا تحت المطر
بعد توقفه
قبل هطوله
نحن المطر
نحن الأعين الواسعة
والأفواه المفتوحة في وجه الموت
نحن الصفعة
وأدوات التعذيب
نحن الطبيعة
نحن الكراسي والطرقات
أصوات نباح الكلاب
نحن الوقت
نحن السكين
نحن نشعر بالذبح
نحن أياد قصيرة
وسماء بنجوم كثيرة
نحن اللون الأحمر
والأسود
والصفحات الفارغة
والكتب التي تقرأ كل يوم
نحن الجنود
والأسلحة
نحن لا نفعل شىء
نحن المارة
والهواء البارد
والشمس الحارة
والغربان
نحن قلم
نحن فكرة
ولكن تموت كل يوم

التعليقات مغلقة.