عثمان بالنائلة – تونس
بلد
اسألوا عنه
شيخا كفيفاً معدما
حي كأنه امحى
طفلاً مشنوقاً منتحرا
يتأرجح كالحبل
لكي لا يسمع
لكي لا يرى
أمَّاً ملتاعة تدفن مولودا
ظنَّاً منها أنه ابنها
و فلذة كبدها بيع
لأول نخاس اشترى
شاباً شبابه قد سلب
يكفيه من الاشتهاء
والأمنيات البسيطة
أنه تمنَّى واشتهى
تلميذ الأمس
ينشل اليوم الهواتف
و المحافظ
ليركب غداً قوارب
الهلاك أو الرجاء
موظفاً وقوراً محترما
عمل عقوداً
من الدهر
ما يكسبه في جيب الغير
كأنه ما كسب
وما ارتجى
فتاة تتلاقفها الأيدي
لأنها اقترفت معصية
الغرارة والعشق
لا تدري
أضلَّت الطريق
أم أن الدرب توهها
عمالاً في مصنع
أُغلق
و صاحبه الافرنجي
عاد من حيث أتى
امرأة في مقتبل العمر
تكد لكي تعتل
لكي تشيخ
لتكسب خبز يومها
ملطخاً بالوجع
بالدماء
قد لاحت لها
آفات البدن
وهي لا تقوى
لا على ترك العمل
ولا حتى على الندم
والأسى…
وظيفة
أسير البطالة
ليس لي
من عزاء
سوى كوب قهوة
وسيجارة
وكرسي يعرج
في قاع المقهى
يسمع له صوت
كطقطقة الحجارة
فاتني القطار
وألغيت
كل المحطات
إلا محطة المذلة
والندامة
وفي العمر
لا تزال
كما في الكوب
إلا رشفة
ودمعة جفت
على الشهادة الجامعية
والمخدة
قبل الكد تعبت
وقبل الشيخوخة
شخت وتقاعدت
بحثت
حتى أعياني البحث
ما تقاعست
وما توانيت
وارتجيت
وظيفة قبل الفوت
لكن آمالي تلاشت
وتلاشيت
كأنفاس الدخان الحارة
كرماد السيجارة
كرشفة القهوة…
دمار
متى سأعود
إلى الوطن
متي ستعود لي
يا وطن
بيتي خراب
حجر يبكي
على حجر
اصبر
يا قلبي
وترجى
وانتظر
للحرب نهاية
وللظلم قبر
أنا غريب
وغربتي سواد
كحلكة البحر
الذي ابتلع
آلاف الأجساد
آلاف الحقائب
والدموع
والصور
ابتلع الفزع
والرجاء
والمحن
والعمر
أهيم على وجهي
أسير
يكويني القر
أنا غريب
ككل ما حولي
ككل من أراه
ويراني
أفر من الفرار
أفر من الخراب
الذي في داخلي
لا أنساه
ولا ينساني
كأنَّه القدر…
تحت المطر
تحت المطر
أجساد ترتعش
وقلوب ظمأى
مطر ينهلّ
رحمة لا ترحم
من بلا سقف
لا تخفّ
تأبى
أن تكفّ
وأكف تبتهل
لرب السماء
تنشد النجاة
والسلوى
تحت المطر
بنايات
من غرق
من ورق
من حلوى
كوابيس
يسكنها الفقراء
وتسكن فيهم
كذعر عتيق
كانقطاع الرجاء
تحت المطر
عيون جاحظة
لا ترى
جفون لا ترف
وقلوب ترف
لا تعرف
الكرى
وأخرى
لا تأبه
لا بمن تعرى
ولا بمن اكتوى
التعليقات مغلقة.