رجل الكهف – تامر الهلالي

تامر الهلالي

أنا رجل الكهف
تجنبت الموت حتى الآن
و لأنكم عدتم إلى همجية العصور الأولى
أستطيع الأن أن أخبركم بالسر :

كل سنتين
يلاحظ الجميع أني أشيخ سريعا
تنتابني نوبات شرود
أعود فيها إلى بدائية عصور البكاء

يحدث هذا بسبب لعنة لا أستطيع التخلص منها
عندما رفضت الموت
منذ ملايين السنين
فداء لنبوءات الماكينة
و نصوص كهنة المعابد
و فرمانات الديكتاتورية و الديمقراطية و الماركسية و الشعبوية و الملكية..
ثم سيزيفية الورقة و القلم
وحتمية الرقم
ثم مزامير الشاشة
و كل كتبها المقدسة

كلهم أجمعوا على أني لابد أن أموت بشكل عادي
أني سآكل و أشرب و أحزن و أفنى
و أنا أردت أن أفر طوال الوقت
كانت اللعنة أن أعيش إلى الأبد
أغير و جهي عندما أشيخ كل عامين
بتقنية ما
ثم أنتقل إلى وطن آخر
و أغترب من جديد
و أبدأ من جديد
و أشيخ سريعا
أختفي كي لايلاحظ أحد

كان كل ما أردته ألا أموت مجانا
و أن أحتضن حبية ما كلما جائتنا أبدية المطر
لتفاقم حزننا
و شبقنا
و حب لعبة الوجود
في دفء وطن ما
يقدم لنا بعض الخبز و الشاي الدافيء
و تبغ من شجر لا يموت سريعا
بحسب النبوءات المتراكمة

 

شبق ما بعد الجنازات

ستظل المرات الأكثر شبقا و نعومة و عنفا
في ممارسة الحب,
تلك التي تعقب العودات من الجنازات

سنكتشف أثناء حميمية الممارسة
أن لحمنا
و مشاعرنا
ينتقلان من قمة الحزن
قمة الألم
و ربما منتهى الموت,
إلى الشغف باحتياجاتنا البسيطة
مثل امتصاص البونبون من حلمتيك
و امتصاص كل ما يمكن امتصاصه
بشفتي طفل يدمن كل أنواع الحلوى ,
مثل لعقك ناياتي
و نظرات اللذة في عينيك
حين تحدثين يدي
و مزماري
عن آخر ألحانك
عن استمتاعك بمذاق التعري
بكشف سرك الصغير بأنك
طالما كنت عاهرة في خيالك
مع رجلٍ واحد ,
ربما يكون أنا

 

لدي ثلاث لفافات كاملة

لدي ثلاث لفافات كاملة
ستكفيني و صاحبي السجن
و كلبي الذي أصابه الجنون بعد أن فقد ظله
في حربه مع إسفلت ” القاهرة”

ستنتشي أيضاً السمكة الذهبية

التي بدا أنها صامدة بصمتها المعتاد

بعد التعود على مشاهدة قناة الأخبار طوال اليوم
أترك القناة ترطن طوال الوقت بحكم العادة
أو الكسل
أو الضحك أحيانا
فأزار البكاء لدي لم تعد تعمل

 

لدي ثلاث لفافات
سننتشي
و نرقص على دمى العبث و الخذلان
و نمزق ظلالنا القديمة
و ريثما يحدث ذلك
سيكون اللصوص السمان قد انتهوا
من تنظيف أنيابهم
بأيادي قواديهم

وربما أيضاً سيحل التعب بماكينات عد النقود
بينما الجيران سيتظاهرون بالنوم أو بالموت

,  فيما يحدث كل هذا

سيذهبون صباحا إلى حانة القدر
التي تقدم خمورا منتهية الصلاحية
لكنها تساعدنا في التظاهر بالموت
كما يصلح الكحول المكوم فيها
لتنظيف ماكينات عد النقود
و إزالة بقايا اللحم من الأنياب

تلصص

أترك غرفتي
في معسكر القسوة المدجج بالأسلحة
لأتلصص عليك
و أنت تضيئين الماء بجسدك
تروينه
و تغزلان معا خليطا من حليب نهارات
لم تسجن في المعسكرات كاكية اللون

سأصير جنديا قويا
لكنني أيضا سيحتلني الشعر

لابد للشعراء من التلصص على نوافذ السماء
لابد أن يطرد الشاعر من النعيم السهل
لابد أن تتقافز داخل روحه
كرات الجنون
و دوائر الحيرة
و دوائر جسد يكتشف أبعاد دوائره
في رياضيات الحضن
بأبجدية شعر الهروب من سجن المكان
و سجن الزمان
و محدوديتنا في مواجهة الألم

أثناء ممارسة غواية التلصص
احتفظت في روحي و جسدي و ذاكرة هاتفي
في قنينة الماء العكر.
في الرغيف الوحيد
بصورة لنهديك
و هما يراودان خيام المعسكرات الكاكية في روحي
عن أسلحتها و سلطتها
ليمنحوني أجازة طويلة
لأتوقف عن التلصص
و أدخل في مكان هاديء في جسدك
لأكتب كل شعر الدنيا
عن دوائرك الرهيبة
و عن حليبنا المحتمل
 

 

التعليقات مغلقة.