في الانتظارِ يُصيبني هوسٌ برصدِ الاحتمالاتِ الموجعة – آلجين حسن

“في الانتظارِ يُصيبني هَوَسٌ برصدِ الاحِتمالاتِ الكثيرة”
حين الّف درويش قصيدته (في الانتظار) كان يقصد بها الفتاة التي التقاها صُدفةً وأُعجب بها اثناء حفلةٍ جماعيةٍ أُقيمت عند صديقٍ له. بعد ذلك اللقاء قرر درويش إقامة حفلة في منزله مستضيفاً كُلَّ من كان في الحفل في ذلك اليوم أملاً منه بأن تُلبي تلك الفتاة دعوتهُ ولكن الجميع حضر ماعداها.
كرر تلك الحفلات اكثر من مرة ولكنها لم تظهر، حينها، قرر مواجهة الانتظار بالطريقة الوحيدة التي يعرفها الا وهي (الكتابة).
وها أنا الآن اعُيدُ صياغةَ ماكتبه درويش:
“في الانتظار يصيبني هوسٌ برصدِ الاحتمالات الموجعة”
ولكنّي لا ادري إذاما كان الإنتظار هو المُوجع ام الاحتمالات الكثيرة.
من فيهم يُضفي على الآخر وجهاً اكثر دراماتيكة ليجعلهما عملية لا تُطاق؟
فالانتظارُ صعبٌ بدوره لانه يبقينا عمداً في صراعٍ دائمٍ مع الزمن. الزمن الذي لا نشعر به عادةً لاننا لا ننتظره، لا ننتظر مروره أو قدومه.
ومن منا يفكر في الزمن؟ لطالما كان عاملاً مُسلّمٌ به، وُجدَ قبلنا بمليارات السنين وسيوُجد بعد رحلينا لامدٍ مجهول.
ولكن حينما نختلي بأنفسنا مع الزمن منتظرين حدثاً ما، موعداً ما، صلةً ما أو املاً ما، ندركُ حينها مالذي يعنيه الزمن ومالذي بإستطاعته فعله. فإنه يُدمرنا، يُنهكنا، يسلبُ منا أفكارنا ويتركنا نخوض نزالاً غير عادلٍ معه.
واثناء عملية الانتظار، أعني اثناء ذلك النزال مع الزمن هناك عاملٌ آخر كفيلٌ بسلب قوانا الا وهو (الاحتمالات).
الاحتمالات هي تلك الأفكار التي تُولد عندما تغيب عنا الحقيقة، حينما نفتقد أجوبةً واضحةً ومصائرَ معلومة.
فالاحتمالاتُ تُخلقُ من رَحمِ المجهول ونحنُ البشر بطبيعتنا نهابُ المجهول. والخوف بدورهِ يجعلُ الانتظار مهمةً لا تُطاق، فالخوفُ هنا يقف في صفِ الزمن ويجعل الانتظار كابوساً مليئاً بشتّى الاحتمالاتِ المُمكنة وغير المُمكنة.
والاحتمالاتُ السلبيةُ تفوق عادةً الايجابية منها. ولأننا ومجدداً بطبيعتنا البشرية نميلُ إلى خلقِ السيناريوهات الاكثر تعقيداً، الأكثر رعباً والأكثر سوداويةً فغريزتنا تُملي علينا بترقب سوء الاحتمالات في ظل غيابِ الاحتمالات.
وها نحن هنا، في كل عمليةِ إنتظار، نرى أنفسنا متواجدين في حلبة نِزال، مُجرّدين من كُلِّ شيء اعتدنا الاحِتفاء به، لا نملكُ إلاّ القليل من أساليب المواجهة والزهيد من مُقوِّماتِ الانتصار، القليل من الامل والكثيرُ من الخوف.
في حين إن خصمنا يقف امامنا، معتزاً بقوّته، بأسلحتهِ ومحتفياً بعامل الزمن إلى جانبه. وهاهنا نرى أبواب الحلبة تُقفل والطُبولُ تُقرع والجُموعُ تُهلهل مُعلِنةً بدأ مواجهتنا للانتظار على حلبة الحياة.
من سينتصر؟ ومن سيخسر؟ من سيتأذى؟ وكيف تُحسبُ الخسائر؟ وهل الصراع هو الحل الوحيد؟ ام هُنالكَ حُلولٌ اكثر سلمية يمكن الاستعانةُ بها؟ وكيف يمكننا جعل عملية الانتظار أقلُّ وجعاً وأكثر أملاً؟
أسئلةٌ تُشغلُ بال المنتظرين منا ولربما كانت تُشغلُ بال درويش ايضاً.
أتسآل، هل عثر هو على الطريقة المُثلى للتعاملِ مع الانتظار؟ وهل أتخذ من الكتابة سلاحاً له أم ونيساً؟ ام ترك الانتظار يلهو بأفكارهِ كما يشاء؟
ولكن، وفي النهاية شاءتْ الاقدار أو من المحتمل أن درويش هو الّذي انتصر على الانتظار في تلك الجولة من المبارزة والتقى بفتاته صُدفةً عند ذلك الصديق مُجدداً ولكن بعد عامٍ كامل.

التعليقات مغلقة.