قصص قصيرة جدَّاً – عبد الرحيم التدلاوي

عبد الرحيم التدلاوي

بيد
*

اتفق الغزال مع الصياد على فترة هدنة يتمكن فيها من التوالد خوف الانقراض، وبعد فترة، شعر الصياد وكأنه استغفل، وأن طي الاتفاق فخٌّ وقع فيه وهو يرى كثرة الطرائد تعمر المكان بحضورها المغري، سرى في جسمه سم المكيدة، حاصر قلبه، واستل منه الحياة، بيد أن البندقية اللعينة ركبتها شطحات الشيطان، فأطلقت زغاريد النسيان.

تضحية

يسيرون في صمت جلل. ينوؤون تحت حمل النعش المحمول. أرجلهم تغوص في الوحل. لا تصدر منهم سوى أناة صامتة. من تجرأ ورفع الغطاء يخر مصعوقاً. يتوغلون.. إلى الركب، إلى الصدر، حتى النحر، فوقهم تعلو جثة وطن.

امتداد
دسستهما تحت إبطي..
لم أهتم بالعويل خلفي..و لا بامتداد الظلمة أمامي..
لم أهتم لوحشة الطريق، فاليوم قلبي حديد، و عزمي أكيد..
حين بلغت أطراف المدينة كان الليل قد أنهكه الحضور..
لحظتها سمعت الشجر بهمس قائلاً: دسهما تحت إبطيه لم يهتم بالعويل..
أقفلت فم حكايتها بالنار..
وجلست أستمتع بشعرية الخراب.

رعب

في ركن النفس التعسة أقامت..هروباً من صخب السهام..
انكفأت على وحدتها تلعق بلسان الحزن جراحها..
انقضت على فرضتها، فأدت أدوارها بتميز جعل شهرتها تطبق الآفاق..
لحظتها، أصيبت المدينة بهستيريا ضحك يكتم الأنفاس.

صفاء

فاجأته الأمطار الطوفانية، غمرت الأرض، و بلغت حلقومه..
بقيت للحظة ثم غاضت بسرعة..
وهي مقبلة يسبقها نبض الفرح، شاهدت رأس رجل بفك قرش، وجسد أخطبوط..
ولت هاربة من الفأل السيء.

صحوة

الأرملة الشابة المتشحة بالبياض، كقرص فضي يقاوم الرماد، هي الآن، تسير إلى قبر زوجها، تميز من الغيظ على يد الغدر التي سرقته من أحضانها، و تركتها نهب الوساوس..
سأتركها لأصعد إلى سطح منزلي كي أعرض الغطاء على أحصنة الشمس العطشى لتشرب دموع البوح الليلي..

استنباط
إنه إنسان قاس، لا يحمل ذرة رحمة.
إحساسي لا يخذلني أبداً..
زرعت فيه خنجري، و فتحت صدره..
فلم أجد قلبه..

حالة

حين استيقظ
مرن حروفاً..درب كلمات..حتى تخرج من حنجرته سالمة..تأكد أن الحبال الصوتية ليست شبكة مسهمة..
انطلق إلى الساحة
،هتف عالياً، بملء رئتيه..انفجرت الكلمات فشعت في الأفق..بثت حماساً..انتشر عطرها فغسل الأرواح بأمل الخلاص…
بالمساء
وجد نفسه في قعر كأس خمر تسبح فوقه قطع ثلجية!

طوف

أحس بالنظرات المتحجرة تخترقه..تكاد تجمده..
لما أغلقت كل المنافذ..شعر باختناق.. حينها صنع من ابتسامتها الشريدة نافذة نجاة..
وترك الحلم يكمل الباقي.

بحث

سأل عني النهار مستغرباً: ” أين أنت !”
أخبر أني سرت في ركب الليل راضياً منتشياً..
غير أن نجمة الصباح ترجلت، و حررت على أديم الأرض محضر الفضيحة..

تلك الإشارة

*
تمددت على بطني ووضعت أذني على الأرض وأصخت السمع، سمعت هديراً: أسنابك خيل؟ أهجوم وشيك؟ أعدت الاستماع، الأرض تهتز، قلبها ينبض بخوف: أسكاكين ذبح قادمة؟ أقتل غيلة آت؟ حاولت النهوض لأحمل النبوءة، وفي نفسي حيرة، كيف أخبر الناس بهول القادم؟ قطرة دم من صدري جعلتني أدرك مصدر النزف.

بياض

كنت مسحوراً بالطاقة الشهوانية المنبعثة من عيني المرأة وقد التفت برشاقة حول الشجرة المثمرة،
وإذا بي أحس بلدغة سرى سمها في بدني كما الهواء…..غامت الأشياء وبدأت في الترنح، وفي لحظة السقوط الكبرى، رأيتها قادمة إلي بصدرها المقدس لتطعمني حليب الحياة.

احمرار

حلقت بفرحة الطائر إلى الغدير لأوقع صك براءتي.
توقف قلمي بإصرار عند النقطة الأخيرة.
صارت بقعة حمراء غطت اسمي، ثم الورقة فالقاعة، سرعان ما امتدت خارجاً لتغرق العالم.
صار هذا العالم، نقطة متناهية الحمرة، في منظار قناص.

تلك النافذة

حين فتحت نافذتها لم تجد أمامها سوى نافذة مفتوحة تطل منها امرأة تشبهها تطل علي نافذة منها تطل امرأة تشبهها تطل عليها….

مرارة حلم
يداها تنفلتان من بين يديه فتنزلق إلى الهاوية تارة، ويداه تنفلتان من بين يديها طوراً فينزلق إلى الهاوية، يستيقظ فيراها
تحمل حقيبتها و تعلن الرحيل.
سارع لمنعها فصدته المرآة، ارتد إلى الخلف، تدلى جذعه الأعلى من النافذة، فتبعه الأسفل، ليسقط فوق رأس زوجته الهاربة.
انفتحت الحقيبة، و لفتهما بكفن المحبة.

جرم

أحب الظلام، تدثر بالحلكة، و ترنم بالسواد، انتفخ حتى طالت قامته؛ صار بجناحين قويين يغطيان عين الشمس.
أذاقته شرارة نور كأس حمام.

هيت لك

اضطجع على فراشه الوثير، لم تأت الكواكب و النجوم.
لم تأت سوى الشمس الغاضبة…!
مارست عليه كل ألوان شهواتها.
لم يمانع فقد قبل أن يكرس أسطورة الرماد.

موسم

*
حين وجدت نفسها في قصيدتي الأخير أميرة، هزها الفرح فحلقت، كطائر حر، عالياً…
لحظتها، كنت منشغلاً بنصب فخاخ المعنى.

آهات…

*
يرنو إلى الأفق، قلبه يمور حنيناً، ودمعة تسيل تخضب الخدين المتيبسين، والأرض المتشققة، تعلو الجدار الغبي، تلامس تلك الصخرة الشامخة، من ثلم في الجدار تخرج رصاصة تسير معاكسة الرغبة، تسكن القلب، تنزع حنينه، فتسيل من العين دمعة تخضب الخدين المتيبسين، والأرض المتشققة، تغلق عين الجدار الغبي.
تعود الرصاصة إلى صاحبها تشكو سوء الأحوال.
هكذا قرأت الصورة المعلقة على جدار صدري.

خرير
*

إلى صديقي البهي، السي حسام الدين نوالي، تقديري والمودة.
*
صدتني بعنف جرح قلبي فنبت مكان الدم حقد يطلب انتقاماً.
بدأت أترصدها إلى أن حانت الفرصة؛ فقد شاهدتها تتجول بالغابة، اتحذت الشجر ظلاً لي، أتبعها حيثما ذهبت إلى أن ابتعدت عنها باتجاه نهر صاخب، قرب شطه جلست، ومدت ساقها البضة، هذه هي المناسبة الملائمة لأغرس فيها سيف حقدي، وأسيل دمها… لما غمستها، توقف جريان الماء، توقف الزمن، توقف نبض قلبي.
ليس غريباً أن صرت تمثالاً قد من حجر بيده سكين، وعيناه على الساق المشعة متى ترتفع.

الكراسي

*
يحشو فمه بشهي الكلام، استعاره من عذب البيان. يصعد إلى المنصة، يطلقها على الجمهور الذي غصت به جنبات الملعب، فيرديه أرضاً؛ وهو يفعل وجد أمامه كراسي فارغة، فقد احتشد الناس خلفه، وهم يوجهون إلى ظهره بناديقهم المحشوة سخرية.

دليل

*
طرقت الباب متردداً مضطرباً، والليل في أوج سطوته..
أطلت علي من النافذة…
بزغ جذعها الأعلى، منه لاح قرصاها المشعان
أنارا حيرتي…وأذابا اضطرابي، فتوج الاطمئنان قلبي.
الآن، تأكدت من صدق العنوان.

النحات البارع

ركب صهوة الحصان، كان يبغي أن يحمل على العدو في هجمة هي الأخيرة، يحقق بها النصر الموعود..
النحات البارع لم ينفخ في الرئتين نار الصهيل.

2967
*

حلق في سماء قريتنا الوديعة سرب طيور من حديد في جوفه نار، كان حائرا يشعر بقلق حمى فظيع، وضع له كبيرنا حب قمح ودعاه لاقتسام الملح والطعام، ظنها مكيدة، تجبنا للفخ خلق بعيداً بهدير…
كانت الأضرار طفيفة للغاية بحيث لا تستدعي انعقاد مؤتمر، ولا تنديد الأمم؛ كل ما حصل هو اختفاء القرية للأبد…
لتنبعث في ذاكرتي المشروخة.

فاكهة الليل
*

بعد أن مر القطار، حلقت بجناحي الأمل باتجاه قارعة الطريق حيث رمت بفردة حذائها الأيمن، واندست في جوف شجرة غابة قريبة، وبقيت تنتظر قدومه، إلى أن اشتد وهج الظلام.

كفن
*

حين هم بالخروج وجد قبالته قطاً فاحم السواد متحفزاً. ذاب منسوب تفاؤله. رماه بحجر فطار جهة اليمين، فاستعاد توازنه، حامدا الله على نعمة الحدس. أغلق الباب وسار بثبات، ثم إنه تذكر أن القطط لا تطير، نكص على عقبيه، ورام دخول منزله الآمن، فاصطدم رأسه بالباب ليسقط صريعاً فوق فروة القط اللعين.

التعليقات مغلقة.