عبدالرحيم التدلاوي
زحف
جثم نسر عظيم جائع، على صخرة كبيرة يستظل بسنديانة هرباً من سعير الشمس، ليتابع مشهد طفل ضامر، سكنت عينيه كسرة خبز منسية داعبت جبنتها أوتار بطنه الفاغر.
حدق الطفل فيها طويلاً، هو المنهك القوى..
و في رمشة عين، بدأ الزحف المقدس.
ورطة
فر لواذاً…
خرج على أطراف أصابعه من الغرفة المظلمة الشبيهة بعلبة سوداء، بعد أن شم رائحة مؤامرة تستهدفه، هو الذي أدى الأدوار كلها بامتياز، و حافظ على جميع الأسرار..
نزل الأدراج سريعاً، و خرج من باب الرواية تاركا للمؤلف فضيلة الاندهاش.
فضيحة
ضبط نفسه متلبساً..
كان الظلام شديداً..
و كان عطرها فواحاً..
أطلق رصاصتين،
و أطلق قدمين.
كان الموت بالانتظار
و تلك الأحلام
الشاعر عارياً
ينظم قصيدة يريدها يتيمة الدهر؛ تصنع الأمجاد.
تتساقط كزجاج
تتطاير شظايا.
فتسيل دماء.
دهشة
لم تثر دهشتي تلك الشجرة الوحيدة الواقفة بشموخ في مطلق الفراغ..
أثارني ذلك الحبل المعلق فيها يتهادي كنداء..
لم يكن حبل أرجوحة، و كان بمفرده يترنح.
في حلمي، رأيتني الأرجوحة.
لم تثر دهشتي تلك الشجرة اليتيمة الشامخة في مطلق الفراغ ,,, أثارني الحبل المعلق فيها يتهادى كنداء,, كان بمفرده يترنح؛ ما أثارني أكثر، قدماي اللتان قادتاني كالمسرنم باتجاه الشجرة.
علبة السرد
خلف هذا الباب يكمن سر، قال، وأقبل عليه يعالجه.
قال السارد: كثيراً ما يقود الفضول إلى اكتشافات مبهرة ومدهشة.
لما انفتح، فغمت أنفه رائحة عطنة، وحلكة جارحة.
أصيب برهاب الظلام، فأقفله سريعا.
لو اقتحم المكان لاكتشف سر الحكايات…
نقطة حمراء
تسلل من خصاص نافذتي خيط دقيق من ضوء كالحرير، بدد عتمة غرفتي، وسار باطمئنان ليستقر في صدري.
ما ظننت أنه مرشد مخاتل، عرف كيف يرسم الطريق إلى القلب.
**
بزوغ
يقف تحت عمود الإنارة الشاحب ضوؤه، ونهر الصمت يجري أمامه بارداً، يرسل رسائل مشفرة إلى تلك النافذة بالضفة الأخرى المغلقة والسادرة في ظلمتها، في لحظة يتسرب من خصاصها نور يهز فؤاده هزاً، ثم تنفتح لينهمر نورها يغسل المكان من أدران الانتظار، يصخب المكان، ويعج بالناس المشغولين بهموم الحياة، يتكسر سيف كلامه تلعثماً، وينتظر من جديد خفوت الحركة إلى أن يحل الليل، فتنغلق النافذة من جديد تاركة الرسائل تراقصها الأحلام.
**
نسيج
رأى غريمه الذيي قتل أسرته أمامه يمشي حرا، بعد شهر من إلقاء القبض عليه. شعر بغضب شديد فرسم من ثورته مسدساً، وأطلق النار عليه فقتله.
حكم عليه بالمؤبد مع الأشغال الشاقة؛ فالقتل بالأسلحة النارية لا يدخل ضمن اللعبة السردية.
**
كورال
وقف الناس حيارى تكاد معنوياتهم تنخفض جراء وضعهم أمام اختيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يكونوا في صف يوسف وقد تعفف، فقد قميصه من دبر؛ وإما أن يكونوا إلى جانب امرأة العزيز وقد شغفت حبا، فانجذبت إلى يوسف انجذاب الفراشات إلى منابع الضوء.
لكن شعورهم سينتعش حين يرون بأم أعينهم تفاصيل القد الدقيق والبهي، الطافح جمالاً وفتنة ورغبة، حين تخرج امرأة العزيز إلى الساحة العمومية عارية كالبدر في تمامه لتندد بالحكم الجائر في حقها؛ هي التي ما شعرت بالحب فانتعش قلبها بقيضه إلا لما رأت يوسف بعد أن تزوجها غصبا العزيز اعتماداً على سلطته ونفوذه.
بعد نقاش مستفيض، قرروا منح يوسف القلب، وامرأة العزيز العقل، والقصة أفقاً جديداً.
**
عودة
بعد غيبة طويلة عاد، دخل إلى أحد المنازل، شعر أنه أخطأ فعاد القهقرى، لكنه لم يجد لا الباب ولا النوافذ، أحاطت به ظلمة ظلماء بدأت تنهش روحه، جاءه صوت: اطرق الحيطان بقوة، لا تستسلم! ولما لم يسمع أي رد، انتحى مكانا، وجلس ينوح إلى أن نام. رأة في نومه طائرا أحضر يحلق على علو منخقض وهو يتبعه بحبور إلى أن غابا..
مع أولى نسائم الفجر، عثر عليه خارج القلعة عاريا وقد فقد نفسه.
**
حرية
انتبه إلى أنه تخلف عن قطيعه، وأنه في ورطة وجودية، بظهور الأسد، استسلم لقدره، وآمن بالموت المتربص به؛ غير أن جذوة فكر لمعت في عقله: اصنع قدرك، فانطلق يعدو خلفه الأسد، تمكن من اجتياز حاجز عال برشاقة حيث فشل مطارده، في تلك اللحظة أدرك أن القدر ممارسة إرادية، انطلق يعدو بحرية رافضا الانضمام إلى القطيع من جديد.
**
تأمل
وضعت الصورتين إلى جانب بعضهما …
بحنان مررت كفها عليهما…
تسربت إلى روحها دفقة انتعاش، وإلى نغسها الاطمئنان…
قالت: أحبكما…
ثم أعادت كل واحدة إلى شقتها.
**
ظلمة
**
ما إن تحلقنا حول موائد الطعام نسترجع أنفاسنا بعد رقص جنوني، حتى ظهر بباب خيمتنا رجل غريب المنظر، أرسل علينا شواظ نظرات، ثم أخرج من أحشائه كبده، مزقها ووزعها على أطباقنا، وانصرف غير عابئ بحيرتنا إلى أن التهمته الظلمة الباردة، شعرنا بالجوع، فانقضضنا عليها بمناقيرنا ومخالبنا…
**
راع
انسحب بصمت من ساحة الوغى مخلفاً وراءه اندهاش القتلى، بعد أن تكبد هزيمة مدوية.
احتمى بقرن الجبل للتأمل. رأى راعيا في مقتبل العمر يعزف على نايه ببهجة، خلفه يسير القطيع مطمئنا. التقط، ساعتئذ، سحر الإشارة.
**
قيل:
خرج من منزله مصفر الوجه، كظيم القلب، مضضطرب النفس..الأكيد:إنه ركب سيارته، وانطلق سريعا. بالطريق السيار، قرا لوحة إلكترونية تقول:لا تسرع، فلديك أحبة بانتظارك.زاد في السرعة، كان سهما طائشا، اخرتق قلوب أؤلئك الأحبة، فنزفت ندما.
**
إغلاق
كنا متكئين على سور فندق فاخر نتبادل أنخاب الحب ونتملى جمال الطبيعة الممتدة حولنا، وإذا بنا نسمع ضوضاء قادمة من الأعلى، رفعنا بصرنا لنشاهد رجلا يخرج بعنف من النافذة وحوله نثار زجاج، تهاوي ليرتطم بشدة بالأرض، رفع بصره نحونا، وقال: اهربا، الموت قادم. وحزمنا أمرنا، لا أعرف ما جرى، أنا في غرفتي الآن أرتجف من شدة الخوف، شغلت التلفاز لأتابع الأخبار، أصبت بحيرة أخرست لساني، كانت صورتي تملأ الشاشة، وأنا أقول مصرحا:: كنت في غرفتي أستمتع بوقتي، وإذا برجل غاضب يقتحمها، ينهال علي ضربا ورفسا، ثم يطوح بي، أخرج من النافذة محلقا، ومن حولي نثار زجاج، وأثناء تهاوي، تخيلت نفسي متكئا مع حبيبتي على سور فندق فاخر، نتبادل الهمس واللمس والقبل، ونستمتع بمناظر الطبيعة من حولنا، وحين ارتطمت بالأرض، رفعت بصري، لأجد حبيبين ملتصقنين، من أثر الصدمة أم من أثر العشق؟ قلت لهما: اهربا، الموت قادم، وأغلقت عيني كليا.
**
احتمالات
أن تطرق بابك سيدة حسناء تطلب كسرة خبز وبعض حبات زيتون، أمر وارد. أن تجلب لها ما طلبت، فذلك هو الكرم، أن تأكل ما جلبته، وتشكرك، فذلك هو الامتنان. لكن، أن تدخلها منزلك، وتلتهمها، فتلك هي الوقاحة، وأن تنجب لك طفلا في اليوم نفسه، ويصير بشاربين، فتلك هي الدهشة، وأن يسألك عن أمه، وتبحث عنها ولا تجدها، فذلك هو العجب. وأن يحمل سكينا يريد قتلك، فتلك هي النقطة التي ستفيض غضبك، فتمحو كل الذي سبق؛ لأبقى وحيدا أمام ورقتي التي تمزقت من كثرة البحث عن مخرج.
التعليقات مغلقة.