طرائق الخطاب السردي وأوضاع المعنى في مجموعة: ضرع لا ينضب لـ: لحسن حمامة- محمد شيكي
محمد شيكي

مدخل:
يسعى القاص لحسن حمامة عبر مسار منجزه القصصي إلى ترجمة وعيه وواقعه متوسلاً بخطاب سردي يؤطر نصوص مجاميعه السبعة التي يحكمها نسق يسير وفق نهج مرسوم يستجيب لتجربة طويلة وناضجة. ولئن كانت القضايا التي تثيرها هذه التجربة الإبداعية تستقي أبعادها من الاهتمامات الفكرية والإبداعية للكاتب، فإنها ظلت وفية لاختيارها الفكري ولأنماط اشتغالها السردي بنية وبناء وتقنيات، دفع بها الكاتب لحسن حمامة إلى أقصى مدى ممكن في مجموعته الأخيرة “ضرع لا ينضب“[1]. التي آثرت في هذه الورقة مقاربتها انطلاق من ثلاثة مداخل ميزت اشتغال الكاتب وأسست لانبعاث سردي متناسق تتحاور فيه مكوناته مع طرائقه وفق وضعيات سردية متنوعة منتجة للخطاب والمعنى. فكيف رتق الكاتب شرائح البنى السردية في هذه المجموعة القصصية وما أبرز طرائقه وتقنياته؟
1 – بنية السرد من التوازي الى التداخل:
تكشف قراءة نصوص المجموعة عن تسلح الكاتب بوعي يحكم نظرته لعملية السرد وجماليتها، حيث يسعى إلى استهداف الممكنات الفنية من خلال تجاوزه لبنية النص الأولي (الذي لا يكون واقعياً بالضرورة)، إلى وحدات نصية سردية جديدة تحافظ على علاقاتها بالنص الأصلي الأول إما بالتداخل أو التجاور أو التعاقب. ويلاحظ أن هذه العلاقات تكون حيناً ظاهرة وحيناً مضمرة بين عناصر بنية النص.. ويسمح هذا التعالق بتوليد الأفكار وتحريك الشخصيات وتأثيث الفضاءات بطلاقة واسترسال يسمو بالمتواليات النصية داخل نصوص المجموعة إلى مستوى الأدبية والإبداعية حيث لا تشتغل عملية القص على سرد الأحداث والوقائع فحسب، وإنما تمتد لتخلخل أبنية الزمان والمكان وتهدمها وتعيد تشكيلها وفق حضور دائم لمنطق التوازي أو التجاور السردي للمتعاليات النصية [2] التي تتيح للسرد المرور باتساق ويسر إلى ذهن المتلقي:
يقول السارد “غداً سيقام لي حفل لتكريمي بمناسبة تقاعدي، مع العلم أنه بقي شهر كامل قبل تقاعدي الرسمي، دائماً عندما كنت أحضر بعض حفلات التكريم كنت أحسب نفسي أنني داخل مأتم جنائزي.. غداً كل من سيأخذ الكلمة سيجعل مني سوبرمانا أو إنسانا أنقى من الملائكة”[3]
و “لأن البناء السردي يقوم على بنية خطاب منتج يتوفر على فضاء تتحرك فيه الأحداث والوقائع وثؤثتها شخوص في زمن ما وفق رؤية وحوار معينين “فإن ثمة مظاهر وسمات ترافق هذا السرد أسلوباً وبناء ودلالة تسهم في تشكيل الأبعاد الدرامية وتدفع بجمالية السرد وعمقه إلى أبعد مدى. ومن خلال ذلك ينفتح النص على علامات ومقولات تهاجر من فضاء إلى آخر بتفاعل موتور وبرحابة تسع اشتغال التجاور والتناص الى جانب التجاوز والتضاد والتحام الواقعي بالمتخيل:
” الحقيقة يا صديقتي نوال أنه أصبح لا يطاق وجوده في المنزل، يضايقني ويحرجني منذ أن تقاعد هو يتدخل بصورة فظيعة في شؤون البيت والطبخ وطريقة اللبس تدخله عنيف وسلطوي” [4]
إن الكاتب يصل بهذه الشبكة العلائقية إلى وظائف متعددة تحتوي المعنى وبذلك يجعل من عملية القص سرداً وعرضاً، فهو سرد من حيث وظيفته البنائية، وهو عرض من حيث وظيفته الدلالية. (يمثل نص/السلطان كاوكاو المعسل/خير نموذج لذلك ص 67/88) ولعله أطول نصوص المجموعة. يستوقفنا فيه تمييز الكاتب بين المتن الحكائي من جهة والمبنى الحكائي من جهة أخرى. حيث يكتفي عند صياغته للمتن بتقديم عناصر البنية السردية (أشخاص/أحداث/ أمكنة/ أزمنة/):
– ” هاهو الحاج الكتاني أمام المرآة يطيل النظر إلى وجهه ويقول: صناعة الرحمان ما أجمل خلقه..” [5]
– “هاهم الأطفال يلعبون ويمرحون في ساحة المخفية منتظرين بشوق طلعة عمي بوشعيب..” [6]
– هاهم الأمهات وبعض الآباء يرافقون فلذات أكبادهم إلى الكتاب أو المدرسة، علامات الحذر والخوف والذعر بادية على محياهم…” [7]
– هاهو مروان لما أحس باكتمال قوته وصلابة عوده قرر أن يكتشف الأحياء المجاورة لحيه” [8]
– ” هاهم شباب وفتوات الأحياء المجاورة يتداولون ويتناقشون فيما بينهم عن الطريقة العملية والناجعة لوقف هذا النزيف الذي أصابهم..” [9]
هذا الارتقاء بالوظيفة البنائية إلى الوظيفة الدلالية هو تجاوز لخطاب الأحداث إلى خطاب الأقوال[10]، إن لحسن حمامة ينشئ بذلك معماراً قصصياً يمنح النص أدبيته ويجعل النص حافلاً بالعلاقات الغائبة في النص لكنها تحضر في ذهن المتلقي وذلك ما يسميه كريماص بالبنية العميقة حيث تؤدي هده العلاقات الحاضرة/الغائبة إلى تشكل وانبناء المظاهر اللغوية باعتبارها أساس البناء السردي، وإن من أكثر هذه المظاهر بروزاً في “ضرع لا ينضب” الاهتمام بمنطق الجمل والتراكيب وانسيابية العبارات التي تأتي متواترة تباعاً كسيل جارف لا يدع للفراغ مجالاً وإن حدث، فإن ذهن المتلقي كفيل باستكماله وملئه:
” ….أنت لا تصلح لأي شيء، أنت وحش، حاولت أن أعلمك تجارة الذهب، رفضت التعلم.. تركت مجوهراته عرضة للصوص والناهبين والناقمين، كنت عنيفاً خاصمتنا عائلات نحترمها/ها أنت الآن تذرع الشوارع وتحصي المارة لا شغل لك/لا قيمة لك … [11].
“في ليلة واحدة تم اغتصاب طفلين بدرب الشيخ الفوقي، ودرب الشيخ السفلي، كان الدم يتدفق من مؤخرتيهما لم يستطيعا المشي ولا الوقوف كانا يبكيان ويعرضان من الألم…” [12]
” لعوج هيأ نفسه للوليمة، وضع السكين في جيبه، لبس حذاءه الرياضي وصل الساحة، رآه من بعيد فأبهره حسنه وجماله أغرته بشرته الطرية اقترب منه، جلس قربه بوقاحة وثقة، وضع يده على فخده لم يشعر لعوج إلا والجانب الأيسر من حاجبه ينفتح والدم يتدفق منه….” [13]
انطلاقاً من هذه النماذج التي نوردها على سبيل المثال، يبدو أن البناء السردي في نصوص المجموعة يتحقق بقدرة الكاتب لحسن حمامة على الانصهار مع اللغة والأشياء والتأليف بينهما لخلق عالم محكياته محفوفاً بهاجس الحرص على التصنيف والتنظيم وإحكام القبض على بلاغة الدلالة ووضوحها متابعاً بيقظة حركة الزمان وتشكل الأحداث في مختلف أروقة فضاءاته التخيلية مبدعاً في خلق سبل شتى من الاضاءات التي تؤدي دورها كاملاً في تأثيث بنية السرد لديه، كتنويع الرؤى والحوار والاستدعاء والتناص واقعية الأحداث وحضور سؤال الكتابة وتوريط السارد إزاء ذاته.
2 – الميتاسرد أو حضور الأنا الساردة:
إذا كان السرد يشخص الذات والواقع من جهة، فإنه من جهة أخرى يشخص ذاته ويرصد عملية الكتابة نفسها ويبرز مراحل تكونها وتطورها إلى أن يستوي النص عملاً إبداعياً يستقبله القارئ المفترض استهلاكا وتقبلا وقراءة ونقدا. بما يمكن من رصد عوالم الكتابة والوقوف على المتخيل السردي وطرائق الخلق الإبداعي. ولئن اهتمت القصة القصيرة بتوظيف الميتاسرد بمختلف أشكاله الفنية، فإن ثمة ملامح بارزة تسم بعض نصوص مجموعة ضرع لا ينضب كما وسمت المجاميع القصصية السابقة للمبدع لحسن حمامة، لعل أهمها النزوع إلى حضور الأنا في بعدها النرجسي القائم على التمركز الذاتي بتعبير جاكوبسون. ويتخذ هذا الحضور مجموعة من الطرائق التي تبني خطاب السرد من بينها اللجوء إلى إقحام الذات. وفسح المجال لها لتقود رحلة السرد وتربط بين عناصر بنته وتطفو على سطح الحكي شكلاً باعتماد صريح لضمير المتكلم.
” وأنا أحاول أن أرتب ما سآكله من أنواع الثمار، أفاجأ بشجرة رمان لم أر في حياتي شبيها بها، أغرتني رائحتها اقتربت منها دققت النظر في ثمارها البديعة…” [14]
هذا الحضور العاري للذات الساردة يترك في القارئ نوعاً من الإيهام بالواقعية وتستدرجه من حيث قد لا يدري إلى التورط في أحداث القصة، لكن الكاتب سرعان ما يحول مسار السرد ليتخذ هيئة مرآوية تصبح الذات انعكاساً لمشاعر خفية ومضمرة مفتوحة على ممكنات احتمالية ملتبسة. فبقدرما تتخذ الذات الساردة مع نفسها بقدر ما تضيق المسافة بين المؤلف والراوي وتتشظى الذات الساردة وتسقط في “بنيات التجلي” بتعبير كريماص. حينها تتداخل الوضعيات السردية وتتناص بشكل يخرج الراوي من حمأة اللغة السردية ليعلن حضوره للعلن ويكشف عن تدخله وانحيازه “فيقوم حينها بدور القاص والناقد القصصي ويخلخل النص وفق رؤية السارد الذي يقدم فهما جديداً للعملية الإبداعية التي تعيد صياغة العالم القصصي الموجود” [15] إن تقنية الميتانص مظهر من مظاهر حديث الفن عن نفسه، فالكاتب لا يكتفي بالحديث عن الحياة ولكنه يتيح لنفسه الحق في الحضور والتعبيرعن معاناته وظروف إنتاجه ويعلو فوق اللغة وفوق النص ويتلبسه قلقُ الكتابة وسؤال الجدوى منها.
يقول:
“هاو الكاتب /الراوي يتدخل في الحكاية لينير بعضاً من عتماتها “[16]
“ها أنا سأتحدث عن نفسي بنفسي، عن العتمة، عن النقطة السوداء فمهما حاول الراوي الكاتب أن يكون أميناً في سرده إلا أن مكر اللغة وتدخل الذات بتشعباتها وانفعالاتها تجعل من مدخلات سرده ومخرجاته موئلاً للانحرافات والانزلاقات والانزياحات”[17]
يلجأ لحسن حمامة في هذه الوضعيات إلى خطاب ميتا سردي يهتم فيه بأسئلة الإبداع تنظيراً ونقداً ممسكاً بالخيط الرفيع بين لحظتي الواقع والخيال. يقول في ص91:
(وأنا أزيل بعض الشوائب اللغوية والتركيبية من مجموعتي القصصية التي أهيئها للطبع، إذا بي أفاجأ بشيء كاليد تمنع قلمي من الاستمرار في التصحيح وبصوت بدأ خافتاً تصاعدت نبرته يقول: توقف لا يهمك إلا طبع مجموعتك تركتني تحت ردم السقف أعاني من سكرات الموت بعينين مفتوحتين….).
(التفت جهة يميني فإذا بمروان ابن الحاج الكتاني ينظر جهتي، لبستني في البداية برودة أعقبتها قشعريرة لم أعرف من أين أبدأ جف لساني أصبح كقديدة العيد لم أستطع تحريكه، وبالتالي تعذر علي أن أنبس ولو حرفاً واحداً…” [18]
ويتخذ حضور الميتاسرد في بعض نصوص لحسن حمامة وضع من يسبر أغوار مشاكل السرد في بعدها الوجودي والنفسي والانشغالات التراجيدية والصراع مع عوالم الكتابة، ويبدو ذلك واضحاً في قوله على لسان واحد من شخصياته:
“السؤال الذي حيرنا ولم نجد له جواباً، هو لماذا هذا التطرف المأساوي في رسم شخصياتك؟ لماذا هذا التسلط الأسود نحن نريد أيضا أن نتمتع برغد العيش ورفاهيته، نريد أن نكون داخل مجتمع ديمقراطي حداثي لا خارجه، نرفض التهميش ونهفو إلى العيش الكريم نأخذ علك أنانيتك وقسوتك على مخلوقاتك…) [19]
الرمزي والغرائبي/إضاءات المعنى:
لعل إحساس الكاتب بفظاظة الواقع وقساوته، لم يجد معه سبيلاً لتوصيفه بغير استيحاء عوالم الرمز والغرابة وركوب تقنيات لمعالجة مواضيع أقرب إلى بعض العبث والغرابة. إن الغرابة تعكس رؤية للوجود وليست مجرد وظيفة لغوية لذلك تخلق لنفسها داخل بعض نصوص مجموعة ضرع لا ينضب بنية بلاغية تطبع النص الذي تثوي فيه وتتراءى فيه (نجم فيد) واعتباراً لطبيعة هذا الخطاب الغرائبي فأن لحسن حمامة لم يعمد الى توظيفه لأغراض جمالية صرفة فحسب وإنما جعل منه أداة لمحاكاة الواقع ومواجهة زيفه أملاً في رسم معالم أفق جديد منتظر فجاءت بعض نصوصه منفتحة على دلالات ورموز غنية بالإشارات والعلامات تنحو نحو بناء سردية رمزية غرائبية تتيح للخيال هامشاً فسيحاً للتعاطي مع بنيات الحكي وعلاقاته المتشابكة يقول في “حيث المقابر والضريح والاشجار والغيلان التي تتحرك من مواضعها وتتجاذب الحديث فيما بينها كما يفعل الناس في سائر الأيام أما الأموات فيخرجون زرافات ملفوفين في أكفانهم يبيعون ويشترون ويتصرفون كأنهم على قيد الحياة”[20]
وتعتبر قصة ( البردعة ص37/42) أبرز تجل لذلك، حين تصير علامة مركزية يلجأ إليها الكاتب لتمرير انتقاداته السياسية والاجتماعية يحملها بإيحاء رمزي حتى إنها تصبح شخصية أساسية مساهمة في بناء الحس الدرامي الذي يكتنف مسيرة السرد. وتحضر البردعة بكل حمولتها الثقافية وبمتداولها الشعبي وخلفيتها الاجتماعية لا لتعبر عن قطيعة مع الواقع بل لتمثله وتدل عليه دون أن تنقله حرفياً. وقد نجح الكاتب بفضل موهبته واتقاد ملكته الإبداعية في أن يرتقي به إلى مستوى توصيف رمزي يضيء به علامات النص الأخرى بحيث يجعل منها مؤشراً على الموضوع والمعنى.
إن النظر إلى لفظ (البردعة) باعتبارها أيقونة تفصل بين البنية الفوقية بما هي أنظمة متوالية للجمل والتراكيب والسياقات[21] تدفع بشبكة العلاقات السطحية نحو تيسير إنتاج النص وصناعة الخطاب السردي وتستمد هذه الإيقونة/البردعة عمقها الإيحائي من ممكناتها الاحتمالية التي يحيل عليها سيل جارف من الوحدات النصية الصغرى ومتوالياته المختلفة والمتنوعة(سردية/وصفية/حوارية/تفسيرية/حجاجية).
(أجلسني على البردعة داخل قيطون لصديق يبيع السكر والشاي والطحين والتوابل أوصاني بالا أتزحزح من مكاني وأن أحرس البردعة) [22]
(فجأة أحسست بخضة ورجة داخلي، وإذا بيدين تمتدان نحو البردعة وتضعها فوق ظهري) [23]
(أنزلوا البردعة على كتفي/أجلسوني على كرسي خشبي/أمر أحدهم رجلاً كان يحمل بيده ما يشبه دفتراً صغيراً/ غاب برهة/ رجع ومعه بغل عمي/ألبسوا البغل البردعة/حملني أحدهم ووضعني على ظهر البغل/سألني: أتعرف الطريق إلى اشرارطة؟ أجبته نعم. قال آخر: اتبع البغل ولا تعاكسه إنه يعرف الطريق المؤدية إلى دار عمك) [24]
(وما زال ثقل البردعة وملمسها الخشن يؤلم ظهري) [25] ص42
هذا الرمز symbol الذي يتوسل به الكاتب هو علامة تشير إلى الموضوع والمعنى وتثير في ذهن المتلقي الرغبة في الاحتفاء بالدلالة العرفية التي يختزنها الذهن، وفي التمثل الثاوي في مختبره الذهني ونتيجة لذلك يصبح القارىء فاعلاً ومتفاعلاً مع زخم السرد وكثافته عبر وجوده الذهني المفتوح على تأويل الإشارات والرموز ومعانيها المحتملة [26]
إن استخدام العبارة الرمزية تسمح بإمكانات تعبيرية متنوعة مادام الرمز يحمل إيحاءات وتكثيفات دلالية تحقق الإثارة لدى القارئ. والغالب في قصص المجموعة أن الكاتب يلجأ إلى توظيف الرمز المركب([27]) القادر على تجييش مشاعر المتلقي والزج بها في حالات توتر نفسي رهيب. يقول السارد:
(راعني ما رأيت، كلب ضخم أسود كريه المنظر يخنزر جهتي ويزمجر بصوت كالرعد…) [28] ص 46 (لماذا ضيعت الرمانة؟ من أخبر الطيور الغريبة المتوحشة بسقوطها؟ من الذي أوحى للكلب الأسود الضخم والكريه وزبانيته بمهاجمتي؟[29] ص47.
هذا التوالي الرمزي المركب للبنى السردية وما يرافقها من إيحاءات رهيبة تفتح أفق انتظار المتلقي على هواجس واستيهامات تؤطرها فضاءات مرعبة وأمكنة مغلقة تتخندق فيها الأحداث وتتحول برموزها إلى تمظهرات غريبة (تموقع السارد تحت ظل عريش/كلب ضخم أسود يخنزر ويزمجر/طيور غريبة متوحشة/جدة تمسك بالتيليكوموند في قبرها وتوجه مسار السارد ص55/ جبل ينير طريق السارد وسط العتمة ص55/صعود الجدار بواسطة الظهر ص 79/وجه مروان يتحول إلى كتلة من ضوء تسبح داخلها حروف وكلمات تشكل ما يشبه مسار النحل[30] ص…)
إن النماذج المذكورة وغيرها، باعتبارها متواليات سردية تنتج صوراً غريبة ومنزاحة عن المألوف ولا يتحقق ذلك إلا عبر رمزيتها وانتقالها بالمتلقي من المعنى الأول إلى المعنى الثاني أو من بنية السطح إلى بنية العمق وتفسح المجال لاشتغال التخييل الذي يغذي الوهم الخلاق (الرمز والصورة/شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات والأبحاث) كما يرفع من منسوب الإمتاع الفني الذي تحققه غرائبية شخوص النص وكائناته الرمزية واستعاراته المدهشة وصولاً من الكاتب إلى وجدان ومشاعر المتلقي. [31] .
تأسيساً على ما سبق يمكن القول: إن القاص لحسن حمامة يميل في معظم أعماله وفي مجموعة ضرع لا ينضب على وجه الخصوص إلى توظيف الميتاسرد عن طريق تشكيل الصور السردية المركبة وتعاقب الأصوات الساردة وتعدد الإحالات وفسح الإظلام والعتمات واستدعاء الإيحاء وركوب الاستيهامات الغرائبية وبذلك تشتغل العلامة السيميائية في تنشيط ذهن المتلقي واستنفار قدراته لفك شفرات الدلالة وركوب التأويل. وملئ الفراغات بكتابة أخرى داخل ذهنه ومفهمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] لحسن حمامة، ضرع لا ينضب، مجموعة قصصية، صادرة عن مطبعة الكرامة بالرباط، ط1 2019
2 G .GENETTE , palimpsestes, seuil,1982 p 16
(يعرف جيرار جنيت المتعاليات النصية بانها كافة المكونات العلائقية التي تشكل معمارية النص من مناصصة وتناص وميتانص)
3 لحسن حمامة، ضرع لا ينضب، ص 17.
4 المرجع نفسه، ص 19.
5 المرجع نفسه ، ص 67.
6 المرجع نفسه ، ص 68.
7 المرجع نفسه ، ص 70.
8 المرجع نفسه ، ص 72.
9 المرجع نفسه ، ص 76.
10 حسب تودوروف النص المكتوب يمكن الاحتفاظ به مخالفا بذلك آنية الكلام ولذلك يمكن تكراره دون ان يناله زيف كثير .
11 لحسن حمامة، ضرع لا ينضب، ص 74/75.
12 المرجع نفسه ، ص 71.
13- المرجع نفسه ، ص 73.
14- المرجع نفسه ، ص 45.
5[1] -محمد يوب،جريدة القدس العربي عدد15 – أبريل – 2016
16 -ضرع لا ينضب ص 7
17 -المرجع نفسه ص81
18- المرجع نفسه ص91
9[1]- ضرع لا ينضب ص93
20- المرجع نفسه، ص 40.
21-سيزا قاسم ،نصر حامد أبو زيد، مكتبة الأدب المغربي،دار الياس العصرية،القاهرة، مصر
22 – المرجع نفسه ، ص 40.
24 – المرجع نفسه ، ص 38.
25- المرجع نفسه ، ص 38.
26- مدخل الى السيميوطيقا مرجع سابق ص 28
27 المرجع نفسه ، ص 38.
28- المرجع نفسه ، ص 46.
29- المرجع نفسه ، ص 47.
30- المرجع نفسه ، ص 38.
31- د قحطان محمد صالح، الأدب والسياسة، الحوار المتمدن، عدد 2983،22/10/2010
التعليقات مغلقة.