سليمان محمود لـ Rê: عبارة (خليك بالبيت) لا تناسب الكثيرين، بل تؤلم الكثيرين.. /أفين حسن

حوارات كوفيـــد 19 

حاورته: أفين حسن

تفاقم الأمر واستفحل ودبت الحياة في المقاير, يسير فيها النعش وراء النعش دون مشيعين, والسبب فيروس كورونا اللعين,! هذا الموت الكاسح الذي لا يفرق بين الغني والفقير, قوي أو ضعيف, طفل أو عجوز، وباء ينهش جسد العالم من أقصاه إلى أقصاه، يطارد الخلق في كل مكان, فتتعالى الأصوات بالأوارد والأدعية لقد بدا الأمر خبراً عابراً لم يستوقف أي صحيفة، لكن لم يدم الأمر طويلاً حتى عطّل الحياة بكل مرافقها، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية….وبات كل ما يشغل العالم هو كيفية إيقاف هذا الوباء.
ولمعرفة إيجابيات وسلبيات هذا الوباء وتداعياته التقينا مع الأستاذ والباحث في المركز السوري للدراسات والحوار، سليمان محمود.

وكان الحوار كالتالي:

ما تأثير فيروس كورونا على شمال وشرق سوريا؟

لا شكّ أنه يعدّ محنةً إضافية تضاف إلى مخزون الضغوطات النفسية التي تتعرض لها منطقتنا، والتي من البديهي أن تضيف إلى سجل المعاناة معاناة جديدة، من شأنها أن تزيد من قتامة المشهد الاجتماعي والسياسي، وتثقل كاهل العامة المنهك سابقاً بمزيد من أعراض الحزن والخوف والقلق والاكتئاب. فحالة الحرب التي تشهدها سوريا والتي دخلت عامها العاشر وخلقت ما خلقته تشكّلُ أرضيةً خصبة لتأثير الفايروس. وباتت العامةُ تترقب بحذر شديد جبهات كوفيد19 وهو يتقدم باتجاههم باضطراد.

ترى ماذا سيحلّ بنا. كيف سنؤمن احتياجاتنا إذا انقطعت الطرق؟ ومن أين سنؤمن قوت عيشنا إذا توقف العمل. أين سنذهب بأطفالنا؟ وماذا لو أصابنا المرض ونحن في منطقة لا تتوفر على الإمكانات الكافية؟ هذه أسئلة والكثير غيرها باتت لسان حال المجتمع هنا.

ونتيجة لهذه الأمور والأعراض: سيعاني الكثير من الأمراض العصابية والعضوية، وسيتفاقم وضع من كان مريضاً. ستزداد المشاحنات بين الحكومة والمدنيين، وسيخلف عدداً من المشاكل الأسرية والعديد من المشاكل الاقتصادية. سيزيد من أعباء الحكومة والسلطات المحلية في مواجهة التحديات السابقة والتحدي الجديد.

لذا على إدارة شمال وشرق سوريا أخذ الإجراءات الوقائية اللازمة على كل الأصعدة، وبالأخص الصعيد النفسي لما يلعبه من دور في تأطير المشاكل والمعاناة.
فقد بدأنا نشهد حالات الهلع والخوف وما زال الفايروس بعيداً عنا ولم نسجل أية حالة، فكيف لو دخل فعلاً!

علاقة التفكير السلبي بفيروس كورونا وتأثيراته على جسم الإنسان:

إنّ طريقة التفكير بأي شيء/حدث تشكّل أرضية له نتيجته المستقبلية، بفعل التأثير الماورائي لعملية التفكير، والتي تتحول إلى سيرورات نفسية لا شعورية، تؤثر سلباً وإيجاباً على الوظائف البيولوجية وتعرّض الجسم إلى الضرر أو النفع مع الزمن عن طريق التغييرات التي تحصل في الإفرازات الهرمونية في نظام كيمياء الجسد. تؤثر على الأعصاب وتتسبب في الحركات اللاإرادية كنتيجة لطريقة التفكير تللك.

وبمعنى أدق: يميلُ ظهور الأعراض العاطفية إلى التسبب في حدوث تغيير عضوي إذا تمت مواجهتها لفترة طويلة.
إنّ تكرار المشاعر السلبية النفسية التي يتعرض لها الشخص باستمرار، من الطبيعي أن تظهر في صور أمراض عضوية. وأيضاً إنّ الخوف المزمن من اعتلال الصحة أو تكرار التحميل الزائد على الصحة يؤدي إلى فعل شرط سلبي، وفي نفس الوقت إنّ الأفكار الإيجابية والعواطف الإيجابية تخلق تغييراً عضوياً إيجابياً.

استراتيجية التفكير الإيجابي والمنطقي في التعامل مع الضغوطات الناجمة عن فايروس كورونا:

وأقصد التفكير بأي حدث/ شيء/مرض.. بحساب الإيجابيات والسلبيات والأبعاد، وإسقاطها على واقعه، والاستفادة منها في حماية نفسه، وتحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوى، بحيث لا يتركه يؤثر على نفسيته ويعرضه للمشاكل، عبر النظر إلى الزاوية المضيئة والجانب المشرق في كل أمر، والتركيز على الإيجابيات وترك السلبيات.

لكن من المؤسف أننا- وخاصة في الشمال السوري- لدينا نظام معتقدات محصَّن بالأفكار السلبية، نظراً لطريقة التربية والأعراف والعادات والتقاليد التي تربينا عليها، إضافة إلى الدين واللغة، وكل تلك الاختلافات والفروقات والتنوعات التي تحولت كل منها إلى هويات قاتلة بحد ذاتها، ساهمت بشكل سلبي في تكوين هويتنا النفسية , بحيث أصبح أغلبنا من الوهلة الأولى في التفكير بأي أمر يشده انتباهه إلى الصهر في الجوانب السلبية أكثر من الإيجابية.

إننا بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا، وأن نحاول النظر إلى الجوانب المشرقة والقسم الملئ من كل كوب. بمعنى أدقّ: أنتَ ما تفكرُ بهِ. لذا نحن بحاجة إلى استراتيجية التفكير الإيجابي حتى نصبح إيجابيين. ولهذه مبادئ عدة منها: التفكير في الموجود لا المفقود/ لكل شيء في الحياة إيجابيات وسلبيات/ الشمس تشرق ثانية بعد الغياب/ التعلم من تجارب الماضي/ دع أحياناً الماضي والمستقبل وعش اللحظة بهدوء تام/ لكل ولادة مخاضها…

إيجابيات الحجر الصحي:

حقيقة الأمر خطير وليس سهلاً حتماً، وعبارة (خليك بالبيت) لا تناسب الكثيرين، بل تؤلم الكثيرين. فهل تنطبق على من احتلوا بيوتاتنا في عفرين ورأس العين وتل أبيض! أم تشمل آخرين في المخيمات والعراء!

آلاف الشباب فقدوا أعمالهم في المطاعم ومن البيع في الشوارع. الكارثة الاقتصادية قادمة، وعلينا استيعابها أيضاً.

الحجر الصحي وإغلاق الحياة نحتاجه أحياناً، هو فرصة لتخلو الناس مع نفسها، للتأمل، لمراجعة الذات، تنظيم وترتيب الأوراق والأفكار، قراءة رواية أو كتاب فكري، أو مشاهدة فيلم سينمائي. كلنا حتماً كان بحاجة لنقاهة بعد الضغوطات المتزايدة مؤخراً وضغط العمل. غير أن الثقافة مسألة تراكمية والأفكار بحاجة إلى البقاء لوقت في داخل المرء. من لا يقرأ في خارج الحجر لن يقرأ في داخله، ومن لم يتعود مشاهدة الأفلام ربما لن يحضر فيلماً في حجره الصحي.

ربما من إيجابيات الحظر الصحي تقوية الروابط الاجتماعية، وإعادة اكتشاف متعة الحياة داخل المنزل بوتيرة بطيئة، والتركيز على الدائرة الضيقة. وكذا النوم الجيد في الأوقات الصحيحة وإنجاز النقص في الأعمال المتراكمة علينا دائماً، وتنمية الذات من خلال الأنشطة المنزلية.

على الصعيد الشخصي: كنت مهملاً في كل أعمالي، فوضويا في كل نشاطاتي وأوقاتي. قليل النوم، كثير القراءة، بعيد دوماً عن أجواء البيت. واستغنمت الفرصة- مخالفاً الكثيرين- في الاستراحة العامة من كلّ شيء، والاهتمام بالصحة العامة. الغذاء الصحي والنوم الجيد والابتعاد عن الإرهاق والقراءة والكتابة وحتى متابعة الأخبار.
قررت أنه حان الوقت للنوم بشكل جيد وتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة قدر الإمكان وتجنب العادات غير الصحية مثل التدخين والسهر والإفراط في الأكل والسهر.

سلبيات الحجر الصحي:

ربما الأكثر هو النفسي، لما يسببه من ضغط نتيجة التغيير المفاجئ في الروتين اليومي، بالإضافة إلى الخوف نتيجة انتشار الفايروس القاتل.
ولهذا يزداد الأثر السلبي للإشاعات مهما كانت على نفسية المواطنين، ما من شأنه أن يسبب مشاكل نفسية أعمق.

إنّ الانغلاق القسري بين جدران البيت لعدة أسابيع هو أمر غير اعتيادي بالنسبة لعامة الناس إلا في الظروف الاستثنائية، وهو ما يتسبب في الكثير من الحالات بآثار نفسية وصحية قد تظهر لاحقاً. القلق والتوتر والانفعال من أبرز هذه التأثيرات.

أيضاً الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم وينقطعون عن أعمالهم ومصادر رزقهم في مثل هذه الظروف، قد يتعرضون لمشاكل مادي ونفسية، فالصعوبات الاقتصادية الخطيرة يمكن أن تتسبب في مشاكل نفسية حادة.

الكثير يكتفي بالأكل والنوم، وهذه الشريحة ستكون أكبر المتضررين أيضاً أثناء انتهاء الحجر، لأنهم سيفقدون الإيقاع الاعتيادي للحياة اليومية، ويصعب عليهم التأقلم مجدداً معها.

على الصعيد الشخصي: اكتشفت كم أن أولادي يكرهون المدرسة ولا يرغبون في الدراسة. وكم أن زوجتي لا تطيق المطالعة. وأني لا أعرف مكان أي غرض في بيتي!

كلمة أخيرة:

إنّ المعرفة حالة تراكمية متوارثة من الأجيال السابقة، تضاف إليها بعض التعديلات على التوالي، وتستمر في توجهنا نحو سلوكياتنا العامة والخاصة. وهي المسؤولة بالدرجة الأولى عن انفعالاتنا ومزاجيتنا، ومنها نستمد طريقة تفكيرنا التي تؤثر في قراراتنا ونتائجنا، وبالتالي تكوين شخصيتنا.

والمعرفة تتعلق بتطورات ومتغيرات الأحداث في الحياة، فكل حدث في الحياة يضيف إلى مخزون معرفتنا جديداً، يؤثر سلباً و إيجاباً على جميع جوانب حياتنا الاجتماعية والعائلية والاقتصادية والمهنية… لذا نحن بحاجة إلى أن نعرف كيف نتصرف مع متغيرات وأحداث الحياة، حتى نتمكن من تنظيم حياتنا وتجنب الويلات والآهات والحصول على ما نريد: الصحة والسلامة والنجاح والسعادة، وخصوصاً ونحن اليوم أمام حدث منشط، نحتاج في طريقة تعاملنا معه إلى المعرفة، والتي عليها تتوقف نتائجه وتأثيره علينا، سواء على المستوى الفردي أو الأسرة أو المجتمع أو الإدارة في مواجهة ضغوطاته التي قد يسببها فايروس كورونا، والضغوطات النفسية الناجمة عن باقي الأحداث.

علينا أن نكثف الجهود ونوحد الطاقات ونشكل الفرق والمجموعات التقنية وتفعيل شبكة المعلومات ونظم الإحالة والربط المؤسساتي وإجراء التقييمات وإعطاء تدريبات وفتح المراكز ودعم المؤسسات وضبط الأسواق وتشديد الرقابة وتأمين الاحتياجات، حتى نتمكن من مواجهة أي تحدٍ والتغلب عليه وتخفيف آثاره النفسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية… على أنفسنا وعلى المجتمع كإدارة شمال وشرق سوريا، وعلى الصعيد الداخلي والخارجي، وعلى مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.

التعليقات مغلقة.