رواية “سماهاني” لـ عبد العزيز بركة ساكن”: عبودية – ثأر – عشق” – نزار غالب فليحان

نزار غالب فليحان

غلاف العمل
غلاف العمل

“سماهاني”

تحب الأميرة البحر لكن من شرفة قصرها، تحب حكايات البَحَّارة لكن ليس من أفواههم، و”موانا” آخر بحار ستراه، سيعود إليها لكن ليس لإنقاذها، بل للانتقام لأمه، لروح أمه، ودم أمه التي استباحها السلطان يوم باركه الرب فاستعبدها واجتاحها كثور حتى ماتت، سينتقم موانا بأن يفعل الشيء ذاته مع الأميرة ويطلب منها ومن حبيبها سندس وجده الحكيم الأعمى السماح، وسيعود سندس إليها بعد ارتيابه من تأخر قدومها مع موانا ليجدها على صخرة جثة مستباحة هامدة، يهرب موانا وهو ينبح، ويقترب سندس من الأميرة ويهمس لها “سماهاني”.

عن المكان (أنغوجا أكبر جزر زبجبار) :

كان الأخوان سليمان وسعيد ابنا الجلندى يحكمان عُمان عندما حاول الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ضمها إلى الدولة الأموية، فرَّ الأخوان بمن تبعهما من قومهما إلى بر الزنج شرق أفريقيا حيث يأمنان، ليصبح ولاة زنجبار وجزرها تابعين لحكم أئمة عُمان، وتصبح الدولة العُمانية في عهد سعيد بن سلطان دولة ملاحية كبيرة يمتد نفوذها من سواحل عُمان إلى جزيرة زنجبار على الساحل الشرقي لأفريقيا، أحب السلطان المكان ومناخه مُقارَنةً بهجير عُمان، صارت الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل أفريقيا، وأصبحت زنجبار عاصمة مملكة عُمان، و هارج العمانيون إليها ملتحقين بسلطانهم.

تلازم استقرار السلطان سعيد في زنجبار مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي، وكانت الكشوف الجغرافية في أفريقيا سبباً كافياً لطمع أوروبا بأفريقيا، وبزنجبار على وجه الخصوص.

مشهدية ساحرة لسردٍ نازف:

لا أدري إن كان “عبد العزيز بركة ساكن” حين كتب “سماهاني” عمد إلى إغراق نصه بروح سينمائية إلى هذا الحد، كيف استطاع هذا الرجل ترويض مادة تاريخية من المفترض أنها جافة حَدَّ السأم لتصبح عذبة بطعم المانجا زكية برائحة القرنفل مؤثرة بنكهة الزنجبيل لاذعة بحرقة الفلفل؟ كيف استطاع أن ينقذ قارئه من سماجة السرد التاريخي و يورطه في نص أشبه بحكايات “ألف ليلة وليلة”؟

بين الأسطورة والواقع، الحقيقة والخيال، الواقعية والغرائبية، تجري أحداث الرواية، حيث يطلق “بركة ساكن” العنان لتقانة سخية يقرأ من خلالها أحداثاً حقيقة بوافر من خيال.

مسحة سحرية وسمت النص من خلال عوالمه التي تنقلت بين غابات مليئة بالأشجار في أرض تكاد تكون بكراً، وأبهة قصور تشبه الجنة المشتهاة، وروائح زكية تصدر عن توابل وعطور وجسد، وحالة عشق يصبح ممكناً على استحالته، كان ذلك الشق الساحر في النص، أما النزف، ذلك الجرح الكبير في جبين الإنسانية، جرح النخاسة و استرقاق الإنسان لأخيه الإنسان، جرح التفنن في الاستبداد والسيطرة والتسلط على الرقاب وسلب الحريات، فهو متن النص وحامله، بل هو جوهره.

تدور رحى الرواية بحجري الاستبداد – الديني والسياسي – لتطحن العبيد وكل من تسول له نفسه الاقتراب من كرسي السلطان، السلطان الذي يتنازل نهاية الأمر عن كل سيادته لمن هم أقوى منه مقابل بقائه شبحَ سلطانٍ لمُلْكٍ زال على عرش أوهى من بيت عنكبوت.

تبدو الأحداث أقرب إلى العبث، تجارب شعوب من لحم ودم، دروس بأثمان باهظة قرأها الطغاة فيما بعد قراءة تتماشى مع ولعهم بالسلطة والمال والاستبداد، دون أن يستخلصوا عبرة واحدة تؤثر في سلوكياتهم، ليبقى الظالم ظالماً والضعيف مسحوقاً في تعاقب لم تنقطع حلقاته.

أنغوجا ليست الوحيدة في هذا الخراب الكبير، في كل أرض أنغوجا، وحيث تبدو تباشير حياة تُسيل لعاب الطامعين أنغوجا، كل بقاع الأرض أنغوجا.

عن الحكاية :

تبدأ الحكاية بسحر الروائح التي تفوح في السوق من قرنفل و زنجبيل و ليمون و جمال ألوان المانجا أصفر  أخضر  ذهبي و وردي، الأميرة التي باركها الرب مؤخراً تعشق المجوهرات و الحلي وتشتريها بأثمان داعرات باعهن زوجها بعد أن تسلى بهن وتجولُ في السوق حيث تخالط أصوات الباعة صوت “أوهورو” المغنية الأنغوجانية التي ستنقذ الثوار و الناجين من سجن السلطان ذات انقلابٍ لموازين الحكم يجعل السلطان حاكماً بتاج بريطاني.

الرب يبارك السلطان و ابنته:

مؤخراً، بارك الرب السلطان سليمان بن سليم، كان قد أجبر فقيهاً على ابتكار شجرة نسب تعيده إلى النبي سليمان، ليبارك بعدها ابنته لطيفة التي يناديها “فتومات” نسبة إلى أمها “فتوماجما” المرأة الوحيدة التي يتذكرها من نسائه التسع والتسعين، هو يملك الجزيرة ومن وما عليها وخارجها وما في السماء، ظالم متغطرس حدَّ استغرابه جعل الله الأسيادَ و العبيدَ يتبرزون ذات البراز.

في القصر و بيت الحكم:

كان السلطان يستعبد في من يستعبدهم “مطيع” الزنجي، و يمعن في استعباده حدَّ جعله يغسل مؤخرته بعد انتهاء طقس التبرز بماء الورد المخلوط بزيت الصندل، مطيع الزنجي سيد قومه اصطاده السلطان مع ابنه “سندس” وخصاهما إخصاءً كاملاً للأب وجزئياً للابن – ترك الخصيتين وبعض القضيب – جاعلاً الأب خادماً له والابن خادماً لابنته الأميرة، في قصرين واحد له مليء بالحوريات والغلمان وآخر لابنته محاط بالطبيعة مطل على البحر وبعيد عن الصخب.

الأميرة المختونة أيضاً، يخدمها سندس خدمة كاملة حدَّ غسل جسدها، يعشقها الأميرة، يعشق جسدها، يمتلكها، يمتلك جسدها، لكنها تتزوج مجبرة من تاجر  يطمع بالسلطة بعد وفاة السلطان الذي يطمع بدوره بولد من ابنته يستلم السلطنة بعد وفاته حيث لا ذرية له سواها.

الأميرة تحب سندس، ستختار بقاءها معه على بقائها مع زوجها حين يلزم الأمر، يتمنى الزوج لو يقتل سندس، لولا أنه من حاجيات الأميرة الأثيرة على نفسها، علاوة على أنه مخصي ناقص الجسد و الروح، و سندس يستمر بغسل و تدليك جسد الأميرة بعد زواجها، ويشعر بحرية وسعادة حين يفعل ذلك في غياب الزوج. سندس يرغب أن يكون عبداً للأميرة دون غيرها.

الثورة و الخضوع و ضياع المُلْك:

سيهاجم الثوار العبيد قصر الأميرة بمساعدة سندس الذي استجاب للساحر العجوز و تركَ باب مخزن الأسلحة مفتوحاً، وسترحل الأميرة إلى البر مع سندس و الثوار بعد أن تعطي الساحر العجوز سلاحاً لقتل زوجها الذي لم يكف عن مغامراته مع النساء.

يتذرع الانكليز الذين يتوجسون الخطر من تمدد الفرنسيين و الألمان في أنغوجا بأن السلطان لم ينفذ توصياتهم، يهاجمون الجزيرة بحرب خاطفة، ويعيدون السلطان إلى القصر بعد أن كان قد هرب إلى قبو القصر حيث هاجمه المساجين و دقوا عضوه الذكري انتقاماً من تعذيبه لهم وقتله أبناءهم وسبيه نساءهم، يوقع السلطان على اتفاقية الحماية دون أن يقرأها، إنه الآن سلطان تحت تاج بريطانيا باتفاقية إذعان تحفظ لقبه كسلطان وحقوق المملكة في السيطرة المطلقة على السلطنة، صار السلطان ظِلاً.

العشق المستحيل:

ثورة العبيد حررت لسان سندس وحررته من عبوديته وحررت شعوره نحو الأميرة وشعورها نحوه، إنهما عاشقان جميلان في قبيلة على البر البعيد عن السلطان. حيث ترى الأميرة القبيلة التي انتصرت على السلطان، و تدرك أن أهلها بشر مثلها يرقصون ويغنون ويعملون وليسوا أكلة لحوم بشر ولا متوحشين.

سندس عاشق الأميرة ومانح المتعة لروحها وجسدها يلاعبه بأفانينه ويبعث فيه الحياة من جديد، لا يؤرقه إلا استعادة عضوه الذكري من الرب، قال له أبوه إن عضوه عند الرب الذي يحتفظ بكل الأعضاء الذكرية المقطوعة لأصحابها، والرحلة إلى الرب طويلة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر، أرشده زعيم القبيلة إلى طريق الرب، لكن الحكيم الأعمى حذره من أن من يذهب إلى الرب لا يعود، والأميرة التي تعشقه هكذا مخصياً، ستبقى حيث يبقى.

يُجمع أهل القبيلة وزعيمها على أن الرب سوف يعاقبهم لأنهم يؤوون رجلاً وامرأة يعاشران بعضهما معاشرة الأزواج دونما زواج، كان الزعيم هيأ للعاشقين الذهاب إلى الرب لاستعادة عضويهما التناسليين، هناك حيث ينزلان البئر ولا يعودان كما نبه الحكيم الأعمى سندس و الأميرة ونصحهما بأن يذهبا عوضاً عن ذلك إلى أنغوجا، فالسلطان الآن ذئب بلا أسنان لن يستطيع النيل منهما، ينفذ سندس النصيحة حين يقرر سندس الذهاب إلى البحر والعدول عن فكرة النزول إلى الرب.

“عندما يصبح الموت ثمناً للحياة”:

يغامر العاشقان في سعيهما إلى البحر، يخوضان مسيراً مليئاً بالمخاطر، يتبعهما موانا حفيد الحكيم الأعمى، كان جده قد طلب منه اللحاتق بسندس و الأميرة لتأمين وصولهما إلى أنغوجا، حمل إليهما الطعام و الشراب، أكلوا وشربوا وناموا على أمل الوصول قريباً إلى أنغوجا.

“أنغوجا أشتاق إليك”:

صرخة راحت الأميرة تطلقها على الشاطئ حيث كانت ترقص كالفراشة، وتغسل جسدها بماء البحر، كان سندس وموانا يصنعان قارباً من جذع شجرة “ماهوغني” لا يتسع إلا لبَحَّار و لراكب واحد اختارت الأميرة أن يكون سندس ليعود موانا ويأخذها في الرحلة الثانية، بقيت الأميرة وحيدة على الشاطئ.

“سماهاني”:

تحب الأميرة البحر لكن من شرفة قصرها، تحب حكايات البَحَّارة لكن ليس من أفواههم، وموانا آخر بَحَّار ستراه، سيعود إليها لكن ليس لإنقاذها، بل للانتقام لأمه لروح أمه ودم أمه التي استباحها السلطان يوم باركه الرب فاستعبدها واجتاحها كثور حتى ماتت، سينتقم موانا بأن يفعل الشيء ذاته مع الأميرة ويطلب منها ومن سندس وجده السماح، وسيعود سندس إليها بعد ارتيابه من تأخر قدومها مع موانا ليجدها على صخرة جثة مستباحة هامدة، يهرب موانا، ويقترب سندس من الأميرة ويهمس لها “سماهاني”.

التعليقات مغلقة.