رائد سلامة يكتب: شاكوش ونقاب وأموال كثيرة

امتثل بعد عناءٍ لتعليمات الطبيب بضرورة ممارسة رياضة المشي لمدة ساعة يوميًا كعلاج نفسي و عضوي لأمراض أدمنت روحه و جسده من الإكتئاب إلي خشونة العظام و إرتفاع معدلات السكر و الكوليسترول و دهون الكبد. في بداية سَيرِهِ في الشارع الهادئ بإحدى ضواحي العاصمة العجوز، لَمَحَ فَتاة لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها تَرقُص في عَصَبيَّة علي مبعدة نحو خمسين مترًا أمامه مُحَرِكَةً كَفَيْهَا عاليًا بالهواء كأنها تحمل بهما خمجرينَ لا يراهما أحد علي وقع موسيقى سمع ضوضاؤها من مكانه لكنه لم يُمَيْزُ منها شيئًا علي وجه الدقة سوى أنها مَحضُ ضوضاء، تَحَرَك سريعًا، إقترب منها، كان مصدر الموسيقى جهاز هاتف نقال رَبَطَتهُ حول خصرها بإزارٍ خاص، لم تكن تضع علي أذنيها سماعات و كأنها قد قررت ألا تستأثر بتلك الموسيقى لنفسها فإتخذت قرارًا بأن تُسمِعَها للناسِ جَبرًا، شَعَر برغبةٍ في القيئ، ترك لها الرصيف الذي كان يسير عليه إلي الرصيف المُقابل، نَظَرَ إلي يمينه حيث كان مَقهىً حديثًا قد ألقى بأحشاءِهِ إلي الخارج، لَحَظَ طاولة إكتظت بعباءات سود تخفي أجسادًا من أعلي الرأس الي إخمص القدمين كانت تجلس بينهن فتاة ترتدي حِجابًا للرأس توجت به جسدًا أبرزت مفاتنه بلوزة ضيقة للغاية و بنطلون جينز أكثر إلتصاقًا بساقيها من إلتصاق دَبَقِ العَسَل على صَحنٍ مَعدني، إستطاع بصعوبة أن يلتقط مفتاح الحوار، كانت صاحبات العباءات السود يحاولن إقناع ذات الحجاب بأن تنتقب. إضطر إلي النزول لبحرِ الشارع بدلًا من المناورة بين الطاولات حتي يواصل المسير، قرر أن ينظر إلي الأرض كي يتلافى معاناة الطريق البصرية و السمعية، أخرج هاتفه النقال من جيبه، ألقى نظرة علي حسابه بالفيسبوك، طَالع إعلانًا لإحدي الشركات العقارية المملوكة لمليارديرٍ نَجيب تطرح فيه وحدات سكنية يبلغ سعر المتر بها ثلاثة و عشرون ألف و خمسمائة جنيه، إذن فالأستوديو الذي يبلغ سبعين مترًا فقط إن كانوا يبيعون نموذجًا كهذا سيبلغ ثمنه المليون و ستمائة و خمسة و أربعون ألفًا من الجنيهات، هكذا تحدث في نفسه، بَصَقَ ثُم مَضى. لم يكن قد تعدى مشواره العشر دقائق، تَوَقف، نظر حوله فَشَعُرَ كما لو أنه ينظر للعالم من أعلى ناطحة سحاب، رأى طفلة الضوضاء و المتشحات بالسواد كالنمل، تَذَكَر رفاقه البعيدين الذين يتألمون في صمتٍ ذاق مرارتَه يومًا فدعا لهم بالسلامة، ثم عَاد إلي مَنزلِهِ ليكتب عن لوركا و ألبير قُصيري.

 

التعليقات مغلقة.