رائد سلامة يكتب \سبعة

لماذا الآن، أعرف أن السماوات سَبْع و أن الطواف والجمرات سَبْع، وأعرف أيضًا أن الله قد خَلَق الدنيا في سِتٍ ثم استراح في السابع، هل يستريح الربُ كما نفعل نحن إن تَعِبنا؟، لم أفهم هذه المسألة أبدًا لكن لا بأس. كنتُ في مكان مُختلف منذ أيام، صمتٌ و دفءٌ ولا شيء يُزعِج، لم أكُن أبكِ حينها ولم أكُن أبذل أي جهدٍ لِلَفتِ الإنتباه، لا حاجة لي بذلك فَلَمْ يكُن هناك سواي، حاكِمٌ في تلك الحُجرة المُظلِمَة كنت أقعى علي عرش مملكةٍ لا يشاركني فيها أحد، يأتِني غذائي في إنتظام بِلا طَلَبٍ مني لِتَكتَسي العِظامُ لَحمًا دون إرادتي، كُنت أقابل الحَسَنَة بمِثلِها فلا أُرهِقُ صاحبة الحُجرة المُظلِمَةِ رَكْلًا، كانت أيامًا طيبةً و كُنتُ طيبًا جدًا.

لماذا الآن، أتوا بهذا الشيئ العجيب المستدير كصينية من شَبَكٍ يحيطه سُورُ خَشَب، وضعوه علي الطاولة بوَسَط الحجرة إلي جوارِ إبريقٍ ثم أودعوني به، صَرَخ أحدهم صرخةً كما لو كانت الإذن ببدء الشعائر المُقدسة كصلاةٍ أو كَمعركة، “يا قْصيَّر يا إيد الهُون، مين قال لك تِضرَب تليفون”، قامت العَجوزُ بحَمْلِ العجيب المستدير في رفقٍ فوضعته و أنا بداخِله علي الأرض، مَرت صاحبة الحُجرة المُظلِمَة من فوقي سَبْعًا، أعرف أن القارات سَبْع و أن مفاتيح سُلَم الموسيقى سَبْع و أن ألوان الطيف سَبْعٌ لكن لماذا الآن، ضَجيجٌ تَرَدَدَ صداه في الصحن النحاسي سَبْعٌ فَنَخَر عِظامي، فَزِعْت، إنتَبَهتُ فإستراحوا حين أطمأنوا أن لا شيء يُعَطِلُ سَمْعِي، عادت العجوز فَحَمَلَت العجيب المستدير لتضعه ثانية علي الطاولة، كانوا يتهامسون أن المراسم الأسطورية لا تتم من دونه كي تنسَّلُ من فتحات شبكته الضيقة مَفاسِدِي و تَبقى حَسَانَتي مَدى حَياتي تُرافِقُني، لم أفهم مسألة تنقيتي من المفاسد تلك فليس لي مفاسدٌ بَعدُ لكن لا بأس، كُنتُ طيبًا جدًا.

لماذا الآن، قامت العجوز بِذَرِ المِلح سَبْع مراتٍ علي الجميع لطرد الشرِ و أصحابه ثم أتت بمسحوق “السَبَع حَبات” لتَنْثُرُهُ علىَّ وَحدي كي يلازمني عَبَقُ رِيحِ النماء والخصوبة من الفول والعدس والقمح و الحلبة والشعير والأرز والحمص طوال حياةٍ لا أعرف ولا تَعرف هي أيضًا إلى ما ستئول، أعرف أن النَوَاحَات كُن يندُبن سَبْع ليالٍ قبل قيامة أوزيريس وأن للقطط سَبْعُ أرواحٍ  وأن للجنة أبوابٌ سَبْع، كُنتُ طيبًا جدًا.

أنشَدْ الوسيم ذو الشَعرِ الأسود كَسماءِ ليلةٍ لا قَمرَ فيها: “قالوا السُبوع يا حَسن، أنا قُلت بِرجالات، مِن حُسن إبني حَسن، أنا عَقلي بِرجالات، قالوا إتوَلدْ لي وِلد في رمَضان، أنا قُلت في رمَضان الوِلد برجالات”، كان أبي يُحب “فؤاد حداد” وكُنتُ أنا “حَسَن” الذي أتى في رمضان بعد “سبعِ” شهورٍ في الحُجرة المظلمة.

التعليقات مغلقة.