كان النهار يوشك علي الغياب وقت أن عاد من إجتماع مع أحد عملائه إلي مقر الشركة الذي هو في حقيقته مجرد “هانجر”، مستودع ضخم من الأسمنت تم تقسيمه إلي مخزن كبير لحفظ البضائع و مجموعة من الغرف الصغيرة بها بعض الاثاث و خزائن للأوراق و الملفات و علي الجدران أجهزة تكييف قديمة. عَلِمَ من الحارس الهندي أن الجميع قد غادروا، طَلَب منه كوباً من الشاي إحتساه بإستمتاع مع سيجارة بينما لم يُخْف الحارس الذي يبيت بالبوفيه تأفُفَاً من وجوده بعد مواعيد العمل الرسمية، إنتهي من كوب الشاي و شكر الحارس الذي أغلق الباب و زال عنه التأفُف. أدار سيارته الأمريكية العتيقة ثم إنطلق صوب منزله في الضاحية الواقعة بالطرف الآخر من المدينة، لم يكن هناك بشرٌ بالشارع الضيق الطويل الذي ليس من سبيل سواه للوصول إلي الطريق السريع، “ربما كانت حرارة الطقس هي سبب عدم وجود أحد بالشارع” هكذا تحدث لنفسه ثم مضي، وصل إلي نقطة تقاطع الشارع الضيق مع بداية الطريق السريع فلم يجد سيارة واحدة علي الإشارة، أوقف سيارته في إنتظار الضوء الأخضر الذي أتاه بعد ثوانٍ، إنطلق.
لم يَلمَح أحدًا، وَحدَهُ كان يتحرك هناك، دَلَف إلي الطريق البطئ فدخل إلي محطة تموين الوقود العملاقة التي يعمل بها بعض عمال بنغاليين بائسين كان يشفق عليهم بالحديث الطيب و ما تيسر من المال فلم يجد أحداً منهم، قام بنفسه بتعبئة خزان الوقود و ترك بعض الدنانير فوق ماكينة تزويد الوقود ثم غادر. مازال وَحدَهُ بالطريق، كل البنايات علي الجانبين مُظلِمة لا حياة بها، واصل المسير، قَرَرَ ألا يعود إلي منزله، تَوَجَه صوب المطار فلَمَح من بعيد هياكل طيور أسطورية ضخمة تقف بلا حراك في الظلام كما لو كانت تلتقط أنفاسها بعدما فَرَت هاربةً من قلب الجحيم. عاد بسيارته صوب الضاحية التي يسكنها فلم يَجد بشراً بشوارعها و لا سيارات، بَدَت الأبنية من بعيد كشواهد قبور و السماء من فوقها كعباءة سوداء، تحرك بسيارته نحو السوبر ماركت الضخم الذي كان يجد في التسكع بمَمَراتِه مُتعة تقتصر علي مجرد الفُرجة بلا هدف و لا رغبة في الشراء، لم يغادر السيارة، أحَسَ بإختناق، أطفأ جهاز التكييف و فَتَح الشباك فلم يدخل منه سوي عاصفةٍ رمليةٍ و جَرَاد.
التعليقات مغلقة.