الهرولة: أوهام الوجود الخرافي – عبد المجيد بن شاوية

 

 

لا خطى ثابتة، لا هدف مأمول بشيء من المسؤولية، لا التزام مع شيء له قيمة في ذاته، لا فعل قائم على أساس إنساني قيمي، بين الوسيلة والغاية شعرة واهية، بمجرد أن تتوفر الوسيلة، لا يهم أن تكون لها معيارية قيمية عقلانية، بقدر ما تبعث على الهرولة في طريق الكائن البشري إلى غاية، غاية لا توسل فيها إلى إنشاء وبناء العلاقات الإنسانية على ما يعود عليها بالنفع العام، ولا تفتح أمامها أبواب أفاق رحبة تسع لكل أمل إنساني في الوجود المتوازن، مجرد أن تستمتع بها الذات في غياب الأخر، الآخر الإنساني تحديدا، ليستفرد بها “الهو الحيواني”، الكائن البشري في معطياته البيولوجية الحيوانية المحضة.

رحلة الهرولة هاته تبدأ من دون أن تعرف أين تقف بها العجلة، بالذات لم تدر الذات من أية نقطة انطلقت، وبينها وبين الغاية لا تدري أين ستصل، استلبت الذات البشرية في إمكانية تعقل ذاتها منذ انطلاقتها، فطبيعي جداً أن لا تعرف كيف ستحقق أهدافها على الشكل الذي يليق بها كذات إنسانية، رحلة محفوفة بكل المؤشرات الانزلاقية، ستحيد بها عن جادة المعقول العقلي، عن المعقول الإنساني كذا، مادامت أنها لا تحسب خطواتها بشكل دقيق، ولا إلى أين تسير وفق ما يختلج بداخلها من نزوعات ذاتية صرفة في شقها النفعي الخاص بها، ملقية كل تقاطعاتها مع الآخر عرض الحائط، هكذا تذهب دون كوابح لميولاتها النرجسية، فاقدة كل اتجاهات العمل على الرفع من منسوب المواقف الإيجابية.

وها نحن أصبحنا نتحدث عن أشكال عدة للهرولة، هرولة نحو الوجاهة الاجتماعية، نحو الوجاهة الاقتصادية، نحو الوجاهة السياسية، نحو الوجاهة الثقافية والفكرية والفلسفية، نحو الموضة بكل أشكالها

رحلة سيزيفية تغمر كل مقومات الوجود الإنساني بطوفان اللا مبالاة واللا اعتبارات القيمية، همها الوحيد أن  تصل إلى ما حددته من غايات منغلقة على ذاتها، بعيدة عن إدراك ما يمكنها أن تحدث به تواصلا بداخل الفضاء العمومي ذي أبعاد ودلالات خيرة مستمدة من طبيعة الوجود الإنساني المشترك في آماله وتطلعاته، في مسراته وأتراحه، في لحظات سلامه وتدافعاته وصراعاته .
لقد أضحت الذات الإنسانية تختزل في معطيات تجبرها على الهرولة العبثية، مجندة بجند العلوم المعاصرة، حتى،  في جانبها التقني والصناعي من خلخلة علاقة الذات بنفسها، وكذا في جوانب أخرى رغم طابعها الرمزي، فأجبرتها على الركض المضني خلف الماديات والمنافع البرانية، بما تتجلى به من إغراءات ووجا هات اجتماعية، اقتصادية ومادية، ورمزية كذلك،
فالموضة أصبحت شعار المرحلة، في كل سلوك بشري، هكذا أصبحنا أمام مشاهد الهرولة المتعددة الجوانب، في تجلياتها المادية وكذا المعنوية والرمزية.
ما من شك أن مسارات الحداثة كما هي قائمة جعلت الإنسان في دائرة المغيب إنسانيا، دفعت به نحو المزيد من أشكال الهرولة، جعلته يبتعد شيئا فشيئا عن المعقولية الممكنة، أي المعقولة الإنسانية في كثير من قيمها البناءة، كما انه أبعدته عن التواصلية فيما بين وبينه أخيه الإنسان بالقدر الذي يمكنه من خلق فسحات أرحب تمتن العلاقات الإنسانية بشكل يقرب المسافات بين التصورات والميولات والأفعال والتطلعات المشتركة، وبذلك تم حبس الذات البشرية في دوائر ضيقة جعلته مسكونا برغباته الذاتية المحضة، منفصلة عن ما هو مشترك وعمومي.

وها نحن أصبحنا نتحدث عن أشكال عدة للهرولة، هرولة نحو الوجاهة الاجتماعية، نحو الوجاهة الاقتصادية، نحو الوجاهة السياسية، نحو الوجاهة الثقافية والفكرية والفلسفية، نحو الموضة بكل أشكالها، فركبت الذات الإنسانية موجات في بحر لجي، تتلاطمها بدون هوادة، غير عابئة بصرخات الجواني الإنساني الثاوي فيها . إنها الخرافة الوجودية بعينها.

 

التعليقات مغلقة.