الفيل الصغير – محسن البلاسي

حين كنت فيلاً صغيراً جداً ، بحجم نملة لا تحب مغادرة الجحر والخروج إلى مدارس الدجاج . كنتُ ذئباً يرتجف ويتماوت وكنت أنفث أحلامي في سدم اليأس، وكثيراً ما كنت أكفن نفسي بغطاء النوم فيموت الضوء حين تغلق يد غليظة الباب المشروخ ووابل من عراء الظلام يخبط رأسي، فيهيمن على تفكيري أن هذا ليس سريراً لكنه سفينة تستلقي على بحيرة من دم أزرق. أزرق أكثر من الشمس. كان خرير الدم الأزرق يهدهدني قبل النوم. كنت أتكور فتزداد الصور شراسة، كانت عيناي تأخذني إلى ثقب في غطاء النوم، كنت أدس لساني عبره وانظر إلى البعيد حيث لا أب بيد غليظة  يرغمني على الاستيقاظ مبكراً والذوبان في أقفاص الدجاج.

كنت أضع تحت وسادتي دمية بلاستيكية حمراء لفارس مكسور القدم، كل ليلة أهمس في أذنه متسائلاً

متى سنهرب من هنا؟

النافذة مفتوحة، والرياح تصعد بنا إلى حاضر بلا اسم حديدي إلى غيبوبة الطفو بلا جفون.

هنا يحجب برق الرغبات ويمنع من أن يضرب رؤوسنا المنتفشة بالصور.

 

كان أكثر ما يسلسل اقشعرار رؤاي بسلاسل الخوف الشاحب هو التفكير في الحفاظ على دميتي البلاستيكية   حين نهرب من القبو العائم.

كان باستطاعتي كل يوم حين ترغمني اليد الغليظة ذي الأسنان الصفراء على الذهاب إلى الحظيرة وترغمني أن أتلبس وجه الدجاجة….

كان يمكنني…..

يمكنني……

 

أن أصحب دميتي معي لكنني كنت أتركها تحت الوسادة تعوم في رحم النعاس وأصوات تهرول نحوها ولا تجيب.

كنت بهذا أعتقد أنني أحررها من السفينة التي تغرق

تغر

تغ

رررررر

ق

كنت أحررها من هذا الطوق المربوط حول رقبتي المدهونة بعرق الاحتضار. ولاحقاً مرت السنوات عليلة بلا لون أو بلون عاقر. وسقط الطوق وترسب في قاع زجاجة حضارة الحاجة وجاءت أغلال أخرى.

الدمية ساحت ملامح وجهها. مثل غرفة  طفولتي الناعسة ،

لكنني ما زلت حين أكفن نفسي بغطاء النوم يضحى السرير سفينة والدم لم يعد أزرقاً بل أضحى رماداً والسفن حين تسير في الرماد  تصل  لشاطئ المطلق المحروق ببنزين الكسل.

وتمر السنين كسيحة

وأنا ذئب أعزل كسول

دمية الفارس الأحمر طمثها الليل وأضحت حطباً للظلام

والأفيال لم تعد تموت أو تولد وحيدة، لم تعد موجودة، هنا أرض بلا أفيال.

والذاكرة عشب ممزق،
تموت من أجل رشفة من منقوع الحياة.

 

التعليقات مغلقة.