توقفت عن غسيل الأواني وأخذت تحرك يدها في وعاء الماء مستمتعة بأشعة الشمس وهي تنظر إلى بلور النافذة وكأنها تحاول أن تنفذ من ضيق المطبخ وحرارته ومن روائحه الخانقة.
تركت مطبخها في فوضى عارمة ودعمت نفسها إلى فسحة من الراحة ،سحبت من الرف ألبوم الصور القديمة جلست على الأريكة، مررت الصفحات ببطء شديد متأملة كل صورة.توقفت عند إحدى الصور :كانت في سن السابعة عشر، كانت ترتدي قميصاً قطنياً ضيقا وتنورة قصيرة، شعرها مسرح بعناية على شاكلة الموضة في ذلك الزمن. قرطان من المرجان وعقد يضفيان على طلّها حيوية واندفاعاً.
مررت أصابعها على تفاصيل الصورة، تنهدت فخرجت من جوفها حرارة وعطشا. لفظت ما ركد في قلبها من أحزان وما تسرب فيه من جروح زاد الزمن من تعفنها. فاشتغل رأسها شيبا ووهن عظمها.
مررت أصابعها مرة أخرى على الصورة، سحبتها من المغلف البلاستيكي أخذت الصورة ووقفت قرب النافذة. أرادت أن يحيي الضوء ألوانها ويبعث فيها الحركة. رغبت أن تخرج من في الصورة وتتمشى في الشوارع الحي غير مصغية لمن يشتهونها سراً ويلعنونها علناً. قرّبت الصورة أكثر فأكثر من زاوية انبعاث الضوء فتألقت ملامحها في الصورة كما كانت تتفتح تمردا وتحد وهي في تلك السّن. ضحكت من هذه الصورة وغمزتها فضحكت هي الأخرى وغمزتها. وهي تقوم بإرجاع الألبوم إلى مكانه، أقبل زوجها صاحب الكرش الكبير من العمل لاهثا يلعن سائقي السيارات والطقس الحار وأسعار المواد الغذائية التي اشتعلت والبنات اللاتي يلبسنا أشياء مخزية… ثم أمرها بأن تقدم له الغداء. وعندما أخبرته بأنها لم تعدّه بعد ثارت ثائرته وراح يحقق معها ويسألها فيما قضيت اليوم؟ ثم إنه ليس من عادتها أن تتأخر عن الطهو. لم ترتعد ولم تضطرب بل ضربت الأرض بقدمها وأسرعت إلى الرف وأحضرت الصورة، وضعتها أمامه وانصرفت إلى المطبخ بقي الزوج مندهشا من تصرّف زوجته، أخذ الصورة بكلتا يديه وأمعن النظر إلى الفتاة الجميلة في الصورة حتى أنه لم يسمع زوجته وهي تسأله:
“ماذا تريد أن أطبخ لك في الغداء؟”.
التعليقات مغلقة.