الجثثُ الآليَّة – مصفوفة جماعيَّة

الجثثُ الآليَّة – مصفوفة جماعيَّة

محسن البلاسي: سالي س. علي: تامر الهلالي: ماجدة جادو: إبراهيم السيد: غادة كمال: رضا أحمد: عزة حسون.

تقديم: محسن البلاسي

(اللوحات: سعاد عبد الرسول)

منذ أيام وجّهت دعوة مفتوحة للشعراء والكتاب والفنانين لكتابة مصفوفة أدبية مشتركة مكتوبة بتقنية الكتابة الآلية أو الكتابة اللا إرادية، كانت دعوة مفتوحة لتحرير الصور الباطنية لمن يريد خوض التجربة من الشعراء والكتاب والفنانين، أو حتى أي شخص يريد فعل هذا فأهلاً به.

ما حرَّكني لإطلاق هذه الدعوة هي إطلاق شحنة واسعة من صوفية مادية ودماغية ونفسية تعيد لمنطق الحلم مكانته وتصفع كل بوح مرتب ومنطقي وتفككه، كانت دعوة لحشد أكبر عدد من الصور النفسية الباطنية، كنت أريد أن أطلق محفزاً لتنطلق أكثر الصور إثارة للحيرة ، هذا هو جسر الاتصال الأبدي اللا مرئي والغير مفصح عنه بين كل الناس، بعيداً عن أي غموض مصطنع أو إرادي أو زائف، كلنا قد تحرِكنا رغبة داخلية في معرفة ماذا لو أزلنا الحجاب عن قوى العقل الباطن لشعراء وفناني الحاضر. .
لقد كان هذا هو نص الدعوة فلنقرأها ثم نطلق أجنحتنا وحدها دون أي رقابة منا، نتركها لتحلق في كهوف المصفوفة الأدبية التي انتجتها الدعوة:

أيها الشعراء والشاعرات، الكتاب، والفنانين
الجميع
هل تتذكرون تقنية الكتابة الآلية؟
هيا بنا نلعب
الدعوة مفتوحة للجميع، لكل إنسان
فليكتب الفنانون أيضاً
الدعوة مفتوحة للعب.

فليكتب كل شاعر وفنان وكاتب ولتكتب كل شاعرة وفنانة وكاتبة نصاً بتقنية الكتابة الآلية ونضعها في مصفوفة واحدة لنصنع صدمة كهربائية سريعة.
هذه دعوة تجريبية وساحة للعب المفتوح والكلّ يملك بطاقة دعوة.
أكتبوا النصوص وسنشيدها في مصفوفة واحدة .
هل تتذكرون أو تعرفون التداعي الحر للحلم الذي يصفع العقلانية الشمولية والمنطق الجامد على وجهه الكهل؟
هل تتذكرون تلك التقنية؟
هل أنتم مستعدون لأن نزيل كل عائق ممكن أن يكبح الذات الشعرية في تداعيها الحر؟، هل يمكننا أن نخطَّ مصفوفة غير مترابطة من الاحلام الحرة؟ نخطُّها  من خلال الممارسات اللغوية التي لا تخضع لأي قانون لغوي أو منطقي؟
هل أنتم مستعدون لتفكوا لجام أصواتكم الداخلية؟ هل أنتم مستعدون لنعيد تتويج اللا عقلاني ونعيد له مكانته المنهوبة؟ هل نستطيع أن نحطم كل تشويش خارجي ليظهر الباطن ناصعاً، متوهجاً،  عارياً كما هو؟  هل نستطيع أن نعيد للكلمات والصور والتوترات والرغبات والأحلام والأوهام والهلاوس حريتها بعيدا عن الأغلال المنطقية أو اللغوية؟ هل نستطيع أن نشيد  مصفوفة نصوص وقصائد تطفوا فيها حروفنا وصورنا الآلية التي ينجبها لا وعينا بلا معوقات؟
الكتابة الآلية كما يقول ميشيل كاروج : (ليست ميكانيكية بحتة بالمعنى الذي تتضارب فيه اللفظة مع الشعور أو الذاتية، بل بمعنى أنها محددة تحديداً قاطعاً عن طريق قوى خارجة عن سيطرة الإرادة والعقل أو التفكير، فهي تولد في مناخ نفسي خاص جداً وليس هذا المناخ من باب الزخرفة، بل هو علامة تدلل على أن الذاتية قد انخرطت بعمق في هذا المنهج الآلي وهو شاهد على طبقات ما تحت الوعي التي بلغها، فالدافع الأول في التجربة هو حتمية حقول ما تحت الوعي الكلامية التي تبرز ديناميكيتها التلقائية في الوعي)
فلنخرج للنور ما يتشكل في لا وعينا دون أن ندركه، دون أي رقابة منطقية أو خارجية. فليتماهى اللا وعي مع الوعي ولنرَ كيف سيكون شكل مصفوفتنا.

(محسن البلاسي)

************

(مدخل ضيق)

 

أحتاج إلى ما يعيد تشكيلي
قد تكون هذه الإنطفاءة لذرة التراب التي تغطى مرمى نظري، أو التماعة الضوء المنعكسة في المني الذي يقذفه في وجوهنا هواء هذه الغرفة المعتمة

(كأس عرق)

هكذا هو الحال

أنام وفوقي
قطط  بثلاثة أرجل مهشمة
تتقافز حين يكب الهواء المجرد من كل حجاب عظامه المطحونة فوق الرؤوس،

وتعوم الأجنحة في ماء القيظ

أتشنج والسقف ثقيل

وبجانب رأسي  عيون حمراء كثيرة و عارية لها غابات في عاناتها،

غابات كثيفة ومحروقة

الهواء المستلقي مثل امرأة بلا نفق سفلي ،امرأة لا ترتعش

وتطرز  فقه الجوع.

ونقطة أخرى.

وذباب وذباب ووجوه ومخالب
وشخص ما مقلوب يكنس السماء
فتغمرنا أسئلة غارقة في حيض النشاز

أتقلب مثل جرو مشوي تخرج العقارب من كل فتحات جسده
هكذا هو الحال.

(كأس آخر )
أقول أن أفواه كثيرة تبلع رأسي الطري الهائج، وكل خراف المدينة صعدت على أسطح المنازل، تضرب على رؤوسها بمناجل نحاسية، أصوات  القعقعات وضجيج الرؤوس المتلاطمة يحرض ذئاب الأزقة للتبول على وجه الشمس.

أسمع حديثاً يقترب
ربما حكي عن طيور سوداء ونعيب بوم،
القطط تحكي عن بوم يحمل في عيونه خناجر مختبئة
ربما ما استمع له هو حكاية قديمة عن قرود تشعل النار في أشجار الغرائز

وتشققات الهواجس
ربما
أنا….

(كأس ثالث)
مجسات أخطبوط الحاجة للصراخ تشفط رأسي
أخاطب دودة ما تسبح في جوفي
الغرفة تعوم في الكأس كحشرة شاحبة
وأنا اطفو..

(سقط الكأس ولم ينكسر ثم صعد ممتلئاً مرة أخرى  _ كأس رابع)

منضدة وراقصة بحجم سيجارة احترق نصفها إلا فرج أحمر يرقص ويتدلى لساني ليلتقطه
أنا ضفدع بمنقار مكسور له أذن،

في الفجر ينام في أذنه …

 

 

هناك أربعة نوافذ حولي وصوت فاتر للمطر، منذ ثلاثة أيام أحتبس داخلي فكرة
كقرد محبوس في فقاعة شفافة
جلدها سميك

تتقافز الفكرة من قضبان إلى قضبان

وتهوى على جدران الفقاعة فتصدر صوتاً لارتطام يغطي على الصوت الأصفر للمطر .

كأس آخر

هذا عنيف.

 

أنا ضفدع

الماء مات

 

حتى الغيوم المتراكمة تبقى معلقة ورؤوسها متدلية إلى أسفل بلا أي حركة.

 

_ القرد لا يزال يترجرج في الفقاعة _

كل شيء يمشي على الأرض باتجاهي

 

لماذا ألطخ الجدران بكل هذه الرسوم؟

أشيد مساكن للقرود بمؤخراتها الزرقاء

في رأسي، في رأس، في رأ، في، ف…

وكلما كدستهم بجانب بعضهم البعض

تشتعل النجوم وتنطفئ المدن المجذومة بالضباب

 

وخارج النافذة، السماء مرقعة بقصائد ينعكس وجهي فيها

وانتظر

وانتظر

أنا الرجل الحارّ جداً ذو الأطراف البعيدة

سأطبق جناحي، فلم يعد هناك سماء أو هواء

أنا حشرة زاحفة بقرون استشعار كثيرة

أحوم وأحوم خلف ذيلي

لأجد أنني بلا رأس

********

(سالي س. علي)

في هذا الحلم
سأجلس على رصيف أمام الهاوية
أؤرجح قدمي كأنني طفلاً صغيراً
يجلس في حديقة الوحدة
على هذه الهاوية سأنادي بصوت يسقط الصخور
أعلم أن بالأسفل نساء يحملن حقائب تعب
وأبي يدخن لأول مرة في حياتي ويتذكرني

في هذا الحلم
سأصغي جيداً لنهديّ وأتعرف عليهما
نعقد صداقة طويلة المفعول
على أن تنتهي بذبول ثلاثتنا في الموت
وسأخبرهما أسرارَ لم يرونها في حبسهم الانفرادي
وسيخبرانني ماذا كان يحدث عندما كنت أرفع رأسي..
الغناء خير من الموت

هل كانت هناك فتاة تضحك في الركن؟

في هذا الحلم سأخلع معطفي الطبي
وأذهب للمرض عارية تماماً ألوك أوراق التوت
وفي قبضتي صفعات للأولياء والرهبان والساسة
وأقول انظروا للسماء
انظروا للنجوم
انظروا لأمهاتكم يا ذئاب الحقول

في هذا الحلم
سأبتلع حبوب منع الغناء
حتى لا يعلم لون اسمك احد
سأتحدث كما أتحدث في عقلي
دون أي ارتفاع في مستوى الصمت
دون أي انخفاض لضغط الدم في صور الأشعة

في هذا الحلم سأحلم كما لم يحلم الحالمون والحالمات
وسأؤكد على نفسي جيداً ألا أنسى ما يحدث
كأنني أراجع معلوماتي قبل الاختبار
كانت امي تنهاني عن الفشل
في هذا الاختبار كل شيء فاشلٌ تماماً
النجاح هو أن امتنع عن الإجابات
النصر لمن سدّ منابت الردِّ في حلقه..

في هذا الحلم سألعنكم بصوت مرتفع
وأشتم كل من أتذكره في اتجاه انفه
أنا لا أهتم بك يا قرد الغابات الغبي
أترى كيف أن نظراتك كذب وأعضاؤك خيالك.

في هذا الحلم سأدفن معلمة الأحياء حيَّة
إلى منتصف جسدها وأقول
نعم صرت طبيبة، لا أؤمن إلا برجم عاهرات الفكر
وسأرسل حذائي ليقع على رأسها كقبعة فرنسية
تعالي يا سيدة الخلايا لا تخافي
أنا حنونة مثل الباندا
أنا طيبة مثل الأرانب
وهذه الوردة التي أغرسها في أوردتك
دواء موافق عليه قبل البريكزت

في هذا الحلم أنا أنا كما أراني من وجهة نظري
لا كما تراني زجاجة الحائط المفضضة
ولا كما أظهر في الصور
وبالطبع صوتي ليس ما يصدر من تسجيلات الهواتف النقالة..

في هذا الحلم
سيكون قلبي فعال لما يريد
سأحب من تصلح لحملي
وسأعشق من تحب جسدي
وسأغني لمن تحب صوتي
وسأرقص مع من تتبع خطواتي
تماماً كما أريد
تماماً كما أريد
أرجوك يا حلم حقِّق أماني طفولتي
أرجوك لا تطع الخوف فتضل
أعدني إلى ما كنت أريد
لا كما يريد خوفي أن يكون…

في هذا الحلم سأنتحر
وسيموت كل من في الكون
وسنبقى في صف واحد متشابكي الأيادي للأبد
للأبد وسيكون الله في وسط الصف
وعلى شفتيه ابتسامة غريبة
كمن ارتاح من تعذيب نفسه..

 

(تامر الهلالي)

 

أطعمت الكلب قصيدتي الأخيرة
علق بعض الشوك بأسنانه
كسرت مرآتي لأساعده على انتزاعها
و أصبح المشهد كله
ملطخاً بدم أسود
أصابتني هستيريا ضحك
اغتاظ الكلب
عضَّني
دخلت القصيدة مجدداً إلى دمي…

(ماجدة جادو)

***
انكبَّ الحاضرون على التهام الوليمة في صخب مدو. هي فرصة لا تأتي في العمر إلا قليلاً. حمار مشوي مع العديد من المشهيات، سردين أخضر نيئ ورؤوس ماعز مقلية وجماجم قرود حية الأمخاخ. وشربوا أنخاب مليئة بالدم والعرق. أما التحلية فكانت أكواب من نهود وكاساتٍ من أرداف وقوالب من سيقان الراقصات والراقصين.
تجشأوا بعد أن ازدردوا الطعام ففاحت منهم رائحة النتن والعفن حتى ملأت البهو وصَدروها للخارج. خشية أن يلتهمهم
الحاقدين الملتفين حول الأسوار، فكروا وتدبروا أمرهم في كيفية مشاركتهم الطعام خوفا من الحسد وسدَّاً لأصوات أمعائهم الخاوية. اقترح كبيرهم جمع العظام وإلقائها عليهم علهم يتلهون. واقترح الآخر أن يلقوا بأذن الحمار بعد تعبئتها بمزيد من النهيق كي تصمّ آذانهم فلا يُسمع لهم صوت بعد الآن. أما عن العينين فسوف تلقى في متاحف التاريخ خلف ستار كي لا يستطيع أحدهم التسلل ورؤية ما جرى. والحوافر والسيقان سوف تدفن في مكانٍ سرّي بعيداً عن متناولهم كي لا يتم العثور عليها واقتفاء أثرها.
وبالنسبة للذيل الذي استعصى عليهم بلعه ومضغه فقذفوا به خارجاً دونما أدنى اهتمام، ظنَّاً منهم أنه بلا قيمة ولا نفع.
التفَّ القابعون خلف الأسوار مطالبين بحصتهم من الحمار الذي ربوه وغذوه وسمنوه وأكله أصحاب الأعمدة دون أن ينوبهم نائب.
تلقفوا الذيل بفرحة، فلفّوه على رأس العمود الأكبر وجذبوا معاً بشدة فانهار فوق الأعمدة السبعة جميعها. عفَّ القوم عن تناول العظام النتنة، فطحنوها وخلطوها بمياه الصبر المخزن من سنوات طويلة وأطعموه لكلاب السكك الضالة. حفروا الأرض تحتهم جيداً حتى توصلوا لأماكن الحوافر والسيقان فربطوها جيداً معاً ووضعوا ثقلاً حجرياً عليها وألقوا بها في جب عميق. توصلوا إلى مكان متحف التاريخ ففقأوا العينين وأسدلوا فوقها ستائر النسيان.

(إبراهيم السيد)

 

ظهيرة الجمعة

حان الوقت
لأهتم بالأمر
للبحث عن  كنز طفولتي؛
كيس الكريات الزجاجية الملونة،
كراس تعلم الخط العربي البرتقالي ذي ال ٩ أسطر
تقبع داخله دفاتر حسابات المقامر الصغير .

حان الوقت
الآن
ظهيرة الجمعة
حبيبتي تطارد أرانب صغيرة وأنا
أنظف حديقتي من الحشائش
حان الوقت
لأزرع شجرة ورد.

(غادة كمال)

باص يعوي مكدس ببقايا بشر
القهوة أصبحت تصيب الحلق بالمرارة
الشمس حامية
العرق يتصبب كأمطار صحراء موسمية
الفتاة التي تعمل في المقهى حزينة
تلك الطاولة المجاورة للنافذة دائما تشبه عدسة مخرج مجهول
باص آخر يعوي ولكنه محمل بصغار فراخ مدجنة
كلب ضال يبحث عن قوته بجانب رجل عجوز في مقلب نفايات أشباه البشر
سارينا تلك السيارات الزرقاء تعوي كالضباع
الخوف يزيد رائحة الأدرينالين في الهواء
يختبئ الكلب الضالّ وينسى طعامه
العرق يصبح كفيضان مدينة
ساحلية
مازالت القهوة مرة
وتلك الفتاة في المقهى حزينة وتبكي
الباص توقف
والباص الآخر صيصانه المدجنة تبكي
كتل بشرية كثيفة منثورة
لافتات تحجب الشمس الحامية
أصوات تغطي على سارينا السيارات الزرقاء
أصوات طلقات متناثرة
عويل
صراخ
نباح
القهوة مازالت مرَّة
الفتاة التي تعمل في المقهى مازالت تبكي
جسدي ملقى بجانب القهوة
وانا أطفو
ومازالت الفتاة تبكي
واللافتات ترفرف
أنا حرة
لهذا القهوة مرة..

 

(رضا أحمد)

 

اخترت أن تكون رصاصة
فلمَ تقاوم النعاس الطويل على طاولة التشريح؟

معك
باللغة الدارجة نفسها التي تستخدمها في الجنس
سأخبر رجلاً آخر كيف كنت تثق بجسدي
قبل أن تكتمل رجولتك
وينساب ماءك رويداً من كأسي،
تتركني
والموج يطوق أضلعك،
تغرق
فما الداعي الآن لأختبئ في قلبك؟
وبعيداً
بالوخز الرتيب لصوتك وهو يجرُّ عربةً من الكلمات المؤلمة
أثناء الدخول إلى رأسي
سأبحث في أخطاء أربيها في خزانتي
عن ولد مهذب
كان يخشى التفاصيل المختبئة تحت قميصي
ومخاوفه التي تركض الآن كسهم يصعب توقع مساره
كانت تتحدث طوال الليل مع نوبات الأرق
بلا تكلف.

أصدقك
التانجو هنا ليس رقصة المنتصرين؛
أهلك يخرطون الجبل بالسكين
لحصى صغير تنفع للتحلية
والحرب على الجانب الآخر
تهدر تاريخها الدموي في سوق الشوكولا
والرغيف الأبيض،
كان مقدَّراً أن تصير شاعراً
تسقط حواسك داخل جرح متقيّح
وبأسى الرهبان تهرول متعثرة كلماتك
الفضولية في مديح الاعتراف
وعيون تتشبث بنافذة قبل أن تنضج
وتسقط:
أنت بخير، لا عليك
أنا أعرف،
شاعر
يفطن تماماً ما تدونه الشفرة الصدئة
على جلد ساكن
تتسرب منه نشوة لاذعة
فوق السلم الأبدي لتنهيدة،
حينها تدرك أنك أخرس
ولا يفترض بك أن تخدم الأطباء،
تتفهم حرصك
ليس لديك نهاراً آخر تخسره في الصراخ.

لنتحدث بصراحة
ماذا يكفي رجلاً يواجه امرأة
وعلى جدارها يرقد إطاراً لقلبها المفقود
كي يخلع نعليه
ويفر من خطاه إليها؟
لسنا بحاجة لاتباع طرق مثالية للحب
بهكذا مسافة نلحق بالأذى قبل أن يفقد صبره؛
اهرب
كم من شرارة ستمد لسانها لتلدغك؟
أكاد أرى أمنيتك الوحيدة
أن تحفر فجوة عميقة في حنجرتي
تجمع فيها كل صرخة نسيتها على عتبة امرأة
لم تقبلك بالخوف المناسب.

لماذا عليّ أن أقترح مراسم أكثر حماقة في الوداع
ألانك أحببتني؟
السفن لا تغادر الموانئ سريعاً
بطلقة مدفع
ولكنها لا تحتمل دمعة ترفرف في منديل.

إليك ما حدث
بالأمس تطلعت إلى رجلين
يتأملان بصمت امرأة بعد حادث،
كلاهما فوَّت موعده مع الموت
وينظر في اتجاه ضائع إلى جزء يخصه في جثتها
كأنهما جنديان
عادا بهزيمة مختلفة من نفس الحرب.

وأنت أمامي تفكر في الحب
مثل سائح يحمل عدسة،
ينقصه القراءة الجيدة
عن مخاطر التنزه في الشوارع الخلفية،
وأنا مثل ليل
يحسن دوره في فرض قوانينه على الغرباء
وفضح أسرار
تدفعه إلى الارتماء في حضن
أول أعمى
لن يقابله في الخوف نفسه مرة أخرى.

عرفت أنني سأحبك
مثل مومياء تقرأ على وهج الموت
عن حياة رائعة يضمنها قبر،
كما كان عليك تلقى الشكر؛
الفخ الذي سقطت فيه كان صافياً
حتى نجمات السماء
كانت تخمن كل مرة الضحية الغامضة
بشكل مختلف
آخرها حوت غير مكتمل.

(عزة حسون)

في الحلم؛
أمام باب منزلي
رواق لا يفضي إلى مكان
بشجرة زيتون مريضة وجدار لا يرفع سقفاً.
هناك…
سأضع طاولة وكراسي
وأعدّ لهذا العالم القبيح وليمة أخيرة.

ثوبي شفاف وبشرتي مسفوعة
شعري مرفوع كسهمٍ نحو السماء وأقراطي من عظام
شفاهي مفترة عن النقمة
وأظافري مُدماة.
سأفرد أطباقاً من الطفولة:
أطراف ألعاب مبتورة,
ضمادات وضعتها على ركبتي
عندما جرّبت ألعاب الصبيان وأحذية أمي العالية,
وأخرى عندما أدركت جنسي.
سأذر على الطاولة رماد سجائر دخنتها سراً
وأصلب قلم أحمر شفاه سرقته ذا صيفٍ
وأفلت كرة أمزجتي بين الأطباق.
سأستلقي على الطاولة
بدور الجيفة.
….
نصبت للعالم طاولة,
دعوته إلى وجبة من أحد كوابيسه,
إلى امرأة مولودة من حادث
دالة اعتباطية على مخزون نطاف لا محدود
ورحمٍ يائس.
سأحلق فوق الوليمة
بأجنحة ملائكة وقلب مسخ,
أنشر الظلال الزرقاء من تحت أظافري
أنضح الماء المالح من آلتي
وأدعو كل شرور العالم
إلى معدتهِ.

في هذا الحلم,
سأصبح المرأة التي خفت أن أكونها,
أحمل ثدياً عضته المرايا,
أصابعاً سرقت وأثمت في جيوبٍ غريبة,
أكشف نفسي أمام لعالم
وأضحك كليلة حمراء.
سيوجهون إلي تهمة الإخلال بالآداب العامة.
في السجنِ سأبصق على  باب الزنزانة,
أمدّ لساني إلى العين التي تراقب من القفل,
وأتبول على الأرض.
سيأتي السجان غاضباً
وسأصرخ في فمه:
“حُرة أنا كمثانتي!
حُرة بكل الطرق الممكنة.”

في الحلم,
في نهاية الرواق غير المفضي إلى مكان,
أضع طاولة وكراسي
تحت شجرة زيتون مصابة بعين الطاووس
وأقول في دور المضيفة والوليمة:
“أهلاً بك أيها العالم
في حفلة عسر الهضم”.

التعليقات مغلقة.