نصوص – إيهاب شغيدل

إيهاب شغيدل

-اعتياد-
الاعتياد الزائر الدائم
الضيف الخفيّ
الذي يدخلُ من الأقدام
من الشبابيك والأبواب
من الهشاشة
من نظرات سائقي العربات القديمة
العنصر الهلاميّ
الذي يخفي القطط والأرانب
تحت قبّعة العالم
يخفي صورةَ المرء وهي
تنهارُ وتضيعُ في كتلة من البلاهة
الاعتياد يا حبيبتي
هو الذي يجعلني أرغبُ بك دائمًا
أرجو ألَّا تغمضي عيني الوقت
كل شيء سيكون ملائمًا
السّعادة تمرينٌ
إذ يمكن للكائن أنْ يضحك في المرآة
ليبدو سعيدًا
يمكن للرجل أن يتحولَ إلى رقم في زجاجة
يذهبُ يوميًا ويرتدي تلك البذلة اللعينة،
يضحكُ كما لو أنّه أول من تعلّم الضحكَ
يضيع في بحر النكات
إنّه الموظف الذي يقفُ نصفَ اليومِ
خارج نفسه
كي يمارسَ الجلوس في النصف الآخر
خارج نفسه أيضاً
إنّه التدريب
الذي يجعلُ المرأة
تمسحُ التلفاز نفسه كلّ يوم
في العاشرة صباحاً
وتقشّر الفاكهة نفسها أيضاً
عندما تودّ أن تأخذَ نفساً عميقاً،
حتّى النّهر ليس نهر البارحة
لقد مشت العيدان إلى الجنوب
وحلّت مياه أخرى غير تلك
ما الّذي يجعل هذه الأشياء تستمر
كلّ ما يحدث وما لا يحدث
إنّه الاعتياد حجارة الجميع
فنحن في النهاية
نموت ونعيش جرّاء ذلك
نتقابلُ صباحاً
ونترك أثراً على المقاعد
نشربُ الشاي
ونمسحُ الأحذية
نتلاشى وفق خوارزميّة العالم تلك
التي لا تنظر للخلق أو للنوع
الجميع هنا
يألفون الكآبة والكلام
يألفون أنفسهم وزوجاتهم
أيّ مسخٍ يعيشُ
داخل هذا الجهاز الذي يتنفس
الذي يجلسُ يومياً على الكرسي ذاته
بينما يضيع في أنبوب طويل
من التّدريب والاعتياد.

فصل النشاز

في فصل النّشاز حيث تضيع
داخل التقويم الهجريّ
حيث تركض خلف الهراء والبلاهة
أو تصبح زيتا في ماكينة عملاقة
وقتها يمكن أنْ ترى الوحشَ
الذي يبتلعُ الحياةَ
على إنه حياة كاملة
قد لا تتذكّر أنّ المرءَ
يربك مزاج الشجرةِ
عبر لحظة واحدة من الصمت
حتى تروّض تلك الصّور التي تتقافز
هنا وهناك
لكن عندما تضيعُ في اليوم التالي
بالعمل والآخرين
تعودُ إلى النّشاز والمساحيق
ولا يجبُ انْ تتقبّلَ كلَّ ذلك
إلاّ كنوعٍ نادرٍ من المجاز.

● الطريق إلى الكلام

بالأمس ِنفدتْ ذخيرةُ العائلة من الكلمات
كنّا عالقين في سحابة الصَّمتِ
لا أحد يعرفُ ماذا سيحصلُ
لو أنَّ الأمر َبقيَ على هذا الحال
لمْ نكُنْ سوى أجساد ٍتتلاشى في الفضاء
بعد أنْ حلَّ الظَّلامُ تداركَ الجَّميعُ الموقفَ
بدأ الكلام ُيدور عن الغرائز وأصل ِالإنسان
عن المحو ومعنى
أنْ تصبحَ جديراً بالحياة
وسط ذلك تذكّرتُ أنّني لمْ أعد
أدرك هذه اللحظات
الّتي يذوب داخلها الزَّمن
حتّى تصبح غير قادرة
على التّعرف على نفسها
الذّعر الّذي حلَّ بعد أن ْنسي الجميع،
الطَّريق إلى الكلام
كان يمكن وصفه بعبارةٍ واحدة
عبارة لا يمكن بعدها أنْ تقول َشيئا
أو تفكّر بجدوى أنْ تعيشَ
داخل حزمة كبيرة من الأصوات.

التعليقات مغلقة.