كانت السماءُ سوداءٌ تملؤها الغيوم، نظر حوله فلم يجد شيئًا علي الإطلاق يتحرك، بَدءَ المطر في الهطول، قَطراتٌ قليلة ما لبثت إلا و قد أزدادت لكنها لم تتحول إلي سيول جارفة، كان وحيدًا علي السهل رمادي اللون ذو الأرضية الطينية الزَلِقَة، تَلٌ في نهاية السهل تتصاعد من قِمَتِهِ أدخنةٌ كخيوط رفيعة تعلن إنتهاء حريقٍ كان هناك، شعر بالجوع يعتصر معدته، لا شيئ يؤكل، لا أشجار و لا زرع، فقط سَهلٌ زَلِق و أمطارٌ تَتَزايَد. ما الذي حدث، أين إبنتي و أمها السمينة المتعجرفة، أين منزلي، أين الجيران و الأصدقاء، أين باسادينا ذاتها، أين أنا؟ هكذا تسائل في نفسه ثم توجه صوب التل. كانت ملابسه ممزقة و الجو بارد جدًا لكن الهواء كان رَطبًا ثقيلًا، كان يتنفس بصعوبة، ساعدته مياه الأمطار علي إستعادة قليلٍ من الحيوية، قرر المسير صوب التل البعيد الذي لم يكن أمامه من خيارٍ سواه فما وراء التل هو الغَامِض الوحيد و هو المُبَرِر -بموجبات غموضه- علي تَحَمُل جهد الإستكشاف، ربما يجد هناك شيئًا يسد به جوعه، أحس بالعطش، رَفَعَ رأسه صَوبَ السماء، فَتَحَ فَمه، إقتنصَ بعض قطراتٍ من المَطر فأرتوى ثم مَضَى. وصل إلي التل، صَعَدهُ، حين وصل إلي قمته مُنهَكًا تَطَلَع إلي ما وراءه بَحَثًا عن شيئ يؤكل فعَايَنَ حُفرَةً ضَخمَة كالجحيم يَخرج منها دُودٌ عملاقٌ يَتَقَدمُ نَحوه بسرعة، تَراجع في هَلَع، سقط، صَرَخ. أفاقَ علي زوجته تَهُزُه بعنف لإيقاظه، كان قلبه يخفق و جبينه ينزفُ عَرَقًا كنافورةِ دَمٍ إنفجر من رَقَبَةٍ قًطِعَت بنَصلِ مقصلةٍ تاريخية صَدِئ. كان يوم أَحَد و النهار كان قد إنتصف، لم يَدْرِ كم ساعةً نام، حَلَق لحيته و ألقى بنفسه تحت الدُش، صورة السهل الفارغ من أي حياة و التل الذي تنبعث من أعلاه خيوط الدخان ثم الدُودُ العملاق لم تبرح خياله، إرتَدى ملابسه و جلس علي طاولة صغيرة بركن غرفة المعيشة يحتسي قهوة أمريكية بلا سُكر، زالت صورة السهل و التل و بَقيَ الدودُ العملاق.
*ياسادينا: سادس أكبر مدينة بمقاطعة لوس أنجيلوس.
التعليقات مغلقة.