هنادي زرقة – سوريا
1
كنتِ تخجلين مني
كما لو أنني ندبةٌ في خدّكِ الأيمن.
وحين تموتين,
سيسقط اسمي من ورقة نعيك,
كما لو أنني مكتومةُ القيد:
البنت/ الشاعرة التي أشرعت قلبَها للمسافرين
ونفختْ في الريح,
وصدّعَ صوتُها جدارَ العائلة السميك.
سوف تمضين من دون أن تلحظي التشابهَ بين صوتينا
وأنّي ورثتُ صندوقَ عرسك الخشبي,
ولسوء الحظّ والحرب,
لم أخبّئ فيه ثياباً وفساتين
لعروس حَلُمتِ أن أبدو على شاكلتها.
صندوقُ عرسك الخشبي
غدا تابوتاً لعشّاقي الذين قضوا في الحرب!
2
كانت أمكِ تطبخُ أفضلَ منك،
وكان غسيلها أنصعَ من غسيلك…
كانت حسنةَ التدبير.
لم تستخدم فرشاة أسنان،
لكنَّ أسنانها كانت أشدَّ بياضاً من أسنانك…
لم تستخدم كريماتٍ مطريةً لليدين
وكانت يداها أنعمَ من يديكِ.
ينقضي الوقت وهم يعقدون المقارنات بيننا,
أنظرُ إلى دميةٍ متخشّبة في السرير
أدخلُ في تنافسٍ معها…
كيف لامرأةٍ لا تجيد القراءة والكتابة أن تعرف مقادير ما تضيفه
من الملح والبهارات والحُبّ؟
تأكلني الغيرةُ من امرأةٍ لا يعنيها التنافس ولا تعرف الغيرة!
ماريا التي كان اسمها أمي!
3
هل للحزن لون؟
أتلمسُ خاتم الوالدة,
كان ذهبياً قبل رحيل أبي.
كذا اصفرّت أوراق مصحفنا وتساقطت.
هل للحزن ألوانٌ.
ترتدي الجارةُ الأرملة الأسودَ,
في ما وجهها يذوي ويذبل.
كان تفاحةً,
بات أصفرَ كالليمون…
لستُ أعلمُ كيف أرسمُ الحزنَ,
لكن ظلاً يمتدُّ كظلِّ الحرب,
ظلٌّ يغطي جثّة البلاد/ جثّتي باللون الأحمر.
4
أسألُ البائع عن ألوان الأكفان وأشكالها:
أبيضٌ وزهري
أبيضٌ وأخضر
أبيضٌ وسماوي…
ألوانٌ جميلةٌ.
سأرسلُ أمي إلى الموت بكفنٍ جميل.
يهديني أخي العائد من روسيا ماتريوشكا كبيرة
أفتح الدمى دميةً دميةً
أصل إلى الصغرى.
أقول له:
هذه أنا…
ماتريوشكا الصغيرة التي لن تنجب,
ستنتهي بي سلالة نساء العائلة.
أمسكُ الدميةَ
أشردُ بالكفن…
من سينتقي لي الكفنَ الجميل؟
5
كلما ماتَ أحدٌ من العائلة
انكسرَ كرسيّ.
هوت شجرةُ العائلة الأمسَ,
هوت أسماءُ الأسرةِ المدلاّة من أغصانها.
لم تصدّقني حين قلتُ:
إنَّ الوقتَ قاسٍ
كصوتِ تمزُّقِ جذور تلك الشجرة…
تلك الشجرة التي تشبهُ أمي,
أمي التي لا تكفُّ عن شراءِ الكراسي!
6
لطالما خبّأت أمّي الأحزانَ عنّا في جيوبِها كالسكاكر.
كانتْ تزدردُ بعضَها في كلِّ صباح,
كبرْنا, ولم تفرغْ جيوبُ أمّي.
7
تغضبُكِ أشياءُ كثيرة في الصباح:
الهواءُ الرقيقُ الذي يلامسُ وحدتَكِ,
العرجُ الخفيفُ في الروح,
صورةُ الميتِ المعلقةِ قبالةَ السرير،
موتى العائلةِ على الجدرانِ أنّى نظرتِ،
وتاريخُهم تحملينهُ على ظهرك،
وبيتٌ مقبرة.
كأنك تحرسين الموتَ!
أعدِّي القهوة, يأتي الصوتُ الحبيب,
على قيد الحياة أنا!
مقتطفات من الديوان الذي يصدر قريباً بعنوان: “رأيتُ غيمةً شاحبةً، سمعتُ صوتَ مطرٍ أسود” – الحاصل على منحة من مؤسسة آفاق – فئة الكتابات النقديَّة والإبداعية للعام 2018
التعليقات مغلقة.