محمد سعيد درويش
في المساء، في كُلَّ مساء.
كان الربُ ينزل حارتنا
يتجولُ بين الأزقةِ والبيوت، ينظر عبر النوافذ على الصِغار النائمون ويرسل لهم أحلامًا سَعيدة
ذات مساء كان هُناكَ ثِمة ولد صغير،
يلعب في الحارة مع صبيةٍ وصبايا،
وكان هُنالكَ ثِمة صبية،
سمراء، ضحكتها تشبهُ للحظةِ الشروق
كانت تفتح في صدر الولد الذي بداخله وردةٍ حمراء، مساحة للتنفس وإستنشاق الهواء
قلبُ الولد الذي يشبه لوردةٍ
كان ينتظر أن تمرُ الصبية كي يتنفس
الولد كان يحبها وكان الربُ يعرف،
فأرسلها لهُ في المساء،
في كُلَّ مساء، تلعب معهُ
في حِلم سعيد.
(٢)
في المساء في كُلَّ مساء
كان الربُ ينزل حارتنا
يمرُ من أمام بيت الحاجة زينب،
تِلك المرأةِ العجوز التي كانت تنامُ باكرًا جِدًّا، وتصحو قبل الفجر،
تتوضأُ بماءٍ دافئ،
ثُمَّ تُشعل بوتغاز صغير،
بأثقاب كبريت رديئةِ
كي تطهو المعكرونة
التي سوف تبيعها للصغار، الذاهبون صباحًا
إلى المدرسةِ.
كان الربُ يراها
كُلَّ ليلة،
ويقول إمرأةٍ مسكينة،
لأ زوج لها ولا ولدًا،
ثُمُّ يخطو خطوات ثقيلة
باتجاه القمر ويرسل الجوع
في بطون الصِغار
كي يشترون المعكرونة
مِن تِلكَ المرأةِ العجوز .
تِلكَ المرأةُ التي لم تدرس
في كليات التجارة
والتي لم تعرفُ
معنى مصطلح دراسة الجدوى، ولا حتى تعرفُ ثِمة شيء
عن الحِساب،
في نهاية اليوم
كانت تربحُ من دُكانها الصغير، فقط لأنّ الربُ كان ينزل حارتنا، في المساء،
في كُلَّ مساء.
(٣)
في المساء، في كُلَّ مساء
كان ينزل الرب حارتنا
ويدخل كل بيت
ثمَّ يرسل لهم، السماء
قالت جدتي ذات مرة
الجدران لها أُذنين
عرفت حينها
أنها كانت تقصد الله
حين كان ينزل حارتنا
في المساء في كل مساء
ويقف على ناصية الحارة
ومعهُ الملائكةُ، ليعطي لنا
الحُب، والسلام، والدفءُ والأحلام السعيدة
ويرسل لنا الملائكةِ
تمتصُ أحزاننا، وحكايتُنا التعيسة.
التعليقات مغلقة.