الصوت الكُردي لإذاعة يريفان – بشير أمين

بشير أمين

(تُنشَر هذه المادة بالتعاون مع موقع: (قمح): (http://genimmag.com/)

يريفان، الإذاعة العامة في العاصمة الأرمنية، والمعروفة خارج الحدود الأرمنية-التركية باسم Radyoya Erîvan باللغة الكردية أو Erivan Radyosu بالتركية قد تركت علامة فارقة في ذكريات الشاعر والمتمرد الكردي حسين كايتان وآلاف الكرد في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا والجمهوريات السوفيتية السابقة. لسنوات طويلة بقيت اللغة والثقافة الكردية محظورة في تركيا، أعتُبرت خلالها إذاعة يريفان جسراً يصل الشعب الكردي بثقافته حيث حصل الأشخاص المحرومون من حقهم في دراسة لغتهم الأم على فرصة سماعها على الراديو، وكذلك استكشاف الطبقات العديدة للثقافة الكردية، ولا سيما الموسيقة منها. وفقا لأرتور إسبيريان، رئيس قسم الأرشيف في الإذاعة فإن هناك أكثر من عشرة آلاف تسجيل للأغاني الفلوكلورية والمسرحيات الكردية في أرشيف الإذاعة العامة.

أولى البرامج الصوتية الكردية على إذاعة يريفان بدأت في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن تم إغلاقها في عام 1937 كنتيجة لعملية التطهير الكبرى في ظل حكم ستالين. ولكن حقبة خروشوف شهدت إعادة احياء البرامج الكردية: ففي العام 1955 تولى قاسم جليل ادارة البث ومسؤولية إنتاج البرامج حيث سمح ببث البرامج على الراديو ثلاث مرات في الأسبوع لمدة 15 دقيقة في اليوم.

ضمن السياق، يُعتبر فيلم زاري Zarê  (1926) للمخرج حمو بيكنازاريان أول فيلم عن الكرد، صوّر الفيلم الحياة اليومية للكرد القاطنين في قرى أرمينيا. كان فيلم “زاري” في الأصل فيلمًا صامتًا، ولكن تمت إضافة الصوت إليه في سبعينيات القرن الماضي. وقد ساهم قاسم جليل  Casimê Celîl  وإبنته الموسيقية  Cemîla Celîl  في إنشاء النسخة الجديدة للفيلم حيث أضافوا أغانٍ مسجلة من البرامج الكردية في الإذاعة العامة.

جميلة جليل سيلل برفقة مجموعة من النساء الكرديات في أرمينيا.
الصورة: “جميلة جليل برفقة مجموعة من النساء الكرديات في أرمينيا”.

ضمن السياق، يُعتبر فيلم زاري Zarê  (1926) للمخرج حمو بيكنازاريان أول فيلم عن الكرد، صوّر الفيلم الحياة اليومية للكرد القاطنين في قرى أرمينيا. كان فيلم “زاري” في الأصل فيلمًا صامتًا، ولكن تمت إضافة الصوت إليه في سبعينيات القرن الماضي. وقد ساهم قاسم جميل  Casimê Celîl  وإبنته الموسيقية  Cemîla Celîl  في إنشاء النسخة الجديدة للفيلم حيث أضافوا أغانٍ مسجلة من البرامج الكردية في الإذاعة العامة.

وعلى الرغم من أن إدارة البرامج الكردية في إذاعة يريفان لم تواجه أي صعوبات أو تحديات فنية خلال سنوات الحكم السوفييتي، إلا أن الموضوعات التي كانت تغطيها البرامج خضعت لتنظيم مباشر من قبل الحزب الشيوعي و موسكو. فمُنع تناول المواضيع القومية والسياسة والوحدة الكردية. بدلا من ذلك، ركزت البرامج على الجانب الثقافي والبث الإذاعي والمسرحيات الإذاعية. بالاضافة الى بعض القيود على الموسيقى أيضاً.

بدأت الأمور تتغير تدريجياً عندما بدأت إذاعة يريفان في الأول نيسان /بريل عام 1961 بث برامج كردية يومية لمدة ساعة ونصف في كل مرة. مما أتاح لصوت الإذاعة بعبور حدود أرمينيا إلى تركيا وسوريا والعراق وإيران بالإضافة إلى عدة دول داخل الاتحاد السوفيتي.

بعد تولى هليل مرادوف منصب مدير البث، والذي  كان على اتصال دائم بالمجتمعات الكردية، وتلقى رسائل ومكالمات هاتفية من الكرد في الاتحاد السوفييتي و الشرق الأوسط. ومع تزايد عدد المستمعين في جميع أنحاء العالم، أعلن مرادوف عن مسابقة مقدمي برامج إذاعية. حيث تم اختيار مذيعين ومذيعتين (من أصل 26 متقدماً ) وهم:Sewaza Abdo و Eznifi Resid و Keremi Seyyad و Sidar Emin.

في أوائل التسعينيات، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، واجهت أرمينيا تحديات اجتماعية واقتصادية أثرت بشكل مباشر على بث البرامج الكردية، حيث لم تكن الحكومة قادرة على تمويل الإذاعة. ومع تزايد البطالة، غادر البلاد جميع موظفي الإدارة الكردية والبالغ عددهم ثلاثة عشر شخصاً حينها. الشخص الوحيد الذي بقي هو كيريمي سياد ، الذي عمل في الراديو لمدة 55 سنة.  يتحدث نجل كيريمي سياد عن ظروف العمل قائلا: “لم يكن هناك كهرباء ولا وسائل نقل وكان البرد سيئا جدا في الشتاء. لكن أبي كان يسير مسافة ثمانية كيلومترات من بيتنا إلى الإذاعة العامة متأملاً أن تتحسن الأمور” ويضيف: “كان يعلم أنه إذا تم إغلاق الدائرة الكردية، فلن يتم فتحها مرة أخرى”. نجل كيريمي سياد، تيتال سيد شويلان، يشغل حالياً رئيس القسم الكردي في الإذاعة العامة.

ربما جلبت التسعينات مشكلات مالية جمة، ولكن انهيار الاتحاد السوفييتي يعني أنه لن تكون هناك قيود على محتوى البرامج. في أواخر التسعينات، خطط كيريمي سياد لسلسلة جديدة من البرامج الإذاعية التي شملت الأخبار والتعليقات السياسية واللغة والثقافة الكرديتين. أيام الاثنين خُصصت لبث برنامج يسمى “يوميات ثقافية” حيث مكّن الناس من الاتصال وطلب الأغاني وكذلك الإستماع إلى مسرحيات الراديو. بينما ركزت أيام الثلاثاء والأربعاء على اللغة والأدب والتاريخ الكردي من خلال برنامجيّ “لغتك الأم” و “تاريخ الكرد وكردستان”. أما من خلال برنامجه “البحث عن الأقارب” فقد ساعد سياد على لم شمل العديد من العائلات الكردية المتشرذمة والمنفصلة من تركيا وأرمينيا في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

ساهمت إذاعة أرمينيا العامة أيضًا في خلال بناء جسر بين الناس وثقافتهم و تأسيس علاقات أفضل بين الشعبين الأرمني والكردي. يقول تيتال تشولويان ” قبل بضع سنوات، عندما كان عثمان بيدمير رئيس بلدية ديار بكر السابق في زيارة إلى يريفان، زار الإذاعة العامة وفي لقائه مع موظفي البرامج الكردية، أشار إلى أنه كان لديه أُمّين واحدة هي أمه البيولوجية، والثانية هي إذاعة يريفان، حيث تعلم منها اللغة، وحصل على سماع الأغاني الكردية عندما كانت محظورة في تركيا”.

ذكريات حول راديو يريفان:

كبُر الفنان الكردي أحمد كايا، من مقاطعة أرزروم في تركيا، مواجهاً صعوبات اجتماعية واقتصادية كبيرة  كشاب صغير، حُرم كايا من الحق في الحصول على تعليم بلغته الكردية لكنه كان يتذكر ويحن لطفولته وسنوات المراهقة. ومع عدم وجود كتب مدرسية بلغته الأم وانقطاع الكهرباء الدائم في القرية، كان العرض الوحيد للكرد وأحد أعظم موارد متعته هو الراديو. خدم راديو يريفان كايا في استكشاف الثقافة الكردية، وخاصة الموسيقى.

“لقد استمعت إلى الموسيقى الكردية المتعددة الألحان لأول مرة في هذا الراديو.  كانت أغنية “kerr û Kulılk” تُعاد مر ارا وتكرارا ،وصدمت بها. شعرت بالفخر والصدمة في آن.  رغم كونها بثاً تجريبي للأغنيةا، لكنها أثرت عليا بشكل بالغ. مرة أخرى، فإن الآلات المستخدمة في موسيقى هذه الإذاعة ، وخاصة آلة الفلوت(الناي القصب) الآسرة لـ كل قلوب الكُرد. الآن عندما أسمع عزف Egidê Cimo(1) على الناي القصب، فإني أربط بين جذوري الخاصة إلى جذور شجرة الحياة.”.

يُناصف أحمد كايا وأصدقاءه من نفس الجيل ذكريات متشابهة حول راديو يريفان.

“كان والدي إماماً، وكان مرتبطاً بقضية كردستان منذ طفولته وكان على دراية بالسياسة العالميةولهذا السبب، كنا ندرك أيضًا النضال من أجل الحرية لكردستانلذلك، نحن جميع أفراد الأسرة كنا نود على الفور معرفة أخبار الكرد في أي مكاناعتدنا على الاستماع إلى صوت راديو أمريكا، راديو صوفيا، راديو بغداد، بي بي سي وخاصة إذاعة يريفان بشكل منهجيفي ذلك الوقت كنا نعتبر راديو يريفان وراديو الجنوب (إذاعة بغداد) اذاعتنا. كنا نستمع إلى أخبار كردستان والعالم باللغة التركية والعربية والكردية ولكننا نكن لراديو يريفان مكانة خاصة في قلوبنا لأنه كان يبث بلغتن الأماعتدنا على الاستماع إلى الكشافة الكردية والأغاني الكردية الفلوكلورية المعروفة بـ  dengbêj(2)  عبر هذه البرامج الإذاعيةعندما تم نفينا إلى البحر الأسود في عام 1984، أصبحت هذه البرامج الإذاعية بمثابة أقارب وأصدقاء لنا. لقد فهمنا الشعور بالوحدة والتجرد من الجنسية بشكل أفضل هناككانت الإذاعة باللغة الكردية بمثابة رائحة بيتنا و وطننا. في وقت لاحق، أصبحنا ممتنين على إطلاق العديد من محطات الإذاعة والتلفزيون الكردية. – Süheyla İnal سُهيلة إنال.

“خلال الستينات من القرن الماضي، لم يكن هناك أي شخص في كردستان يعرف التركية باستثناء الرجال الذين أتموا خدمتهم العسكرية الإجباريةوكانوا يتحدثون التركية [ضعيفة جداً] اشبه بخبز غير مكتمل الطبخكانوا يتحدثون التركية بقدر كاف للتواصل الأساسي فقط.  كنا بعيدين عن الثقافة التركيةلم نجد أي متعة في أغانيهم أو أدواتهم أو مسرحياتهم في المساء، كنا نجتمع في منازل أشخاص بارزين من القرية، ونجلس أمام الراديو ونستمع إلى إذاعة يريفان، مثل “وقت للشاي”بالنسبة للبريطانيين، كان لدينا وقت “إذاعة يريفان. حتى انتهاء البث، كان شيوخنا يوبخون أي شخص يصدر أي ضجيج: أطفال شقيان، نساء تأثرن بالاستماع إلى الأغاني وانتقلن إلى البكاء أوالمرضى الذين يسعلون الكثير من السعال

لسوء الحظ، كانت القصص الإخبارية التي كانت تُبث بعيدة جدًا عن واقعنا وحياتنا ومخاوفنا اليومية، كانت عادة تتمحور حول أرمينيا والاتحاد السوفيتي واذا حدث ذات مرة في السنة يبث قصة عن “كُرد الشمال”، لكان يصبح حديث اليوم بين الناس  وينتشر بسرعة كبيرة. لقد شهدت الأجيال السابقة لنا الحرب العالمية الأولى ، الهجرة القسريةوبسبب استفزازات القوى العظمى، والقومية العمياء، والتخلف والجهل لدى الكرد والأرمن ، قتل الشعبان الكثير من بعضهما البعضخاصة أثناء الهجرة القسرية، لم يكن هناك أحد في القرى الكردية في منطقة سرهات سوى القدامى والمرضى والمعاقين، فتسبب قتل الناس في ظهور كراهية كبيرة في قلوب الكرد ضد الأرمن.

بقدر قلقي الكبير، قدمت  إذاعة يريفان مساهمة كبيرة في إلتآم هذا الجرح والشكر لهذه المحطة الإذاعية التي بفضلها أظهر الأرمن وأرمينيا الود للكرد  أكثر بكثير  من أنقرة ورجالها الأقوياء المتغطرسين. فنياً، تم استخدام الأدوات المستخدمة في إذاعة يريفان في الموسيقى الكرديةأصبحت الهجة السرتية(نسبة لمدينة سيرت) الكردية معروفة ، وسمعت ومعترف بها في الجنوب أيضًا. في الختام، إذا كان هناك اليوم تقارب بين الكرد تجاه الشعب الأرمني ، فقد لعبت إذاعة يريفان دورًا كبيرًا فيه. الدول الأخرى، التي أنفقت مليارات الدولارات لأغراض الدعاية، فشلت في إحداث نفس التأثير على الكرد مثل إذاعة يريفان.الاستاذ معروف  Mamoste Marûf  –

كنا نعرف أوقات بث الإذاعة، كان كل شيء يبدو وكأنه عبء على أكتافنا مع إقتراب وقت البث، كنا نريد إنهاء أي شيء كنا مشغولين به في أقرب وقت ممكن والاستعداد للاستماع إلى الراديو. ولأنه ليس كل بيت لديه جهاز راديو، فإما أن نجتمع في منزل به راديو، أو وضعنا الراديو على النوافذ حتى يتمكن الجميع من سماعه بشكل واضح. لم نكن نشعر بالفضول بشأن الأخبار؛ بدلاً من ذلك كنا ننتظر الإعلان عن الأخبار بسرعة حتى نتمكن من الاستماع إلى الأغاني من جديد. كنا نستمع إلى المسرحيات الاذاعية والحكايات بفرح عظيم، كان هذا جدول أعمالنا حتى الأسبوع الذي يليه. لا أعتقد أن الأشخاص الذين عملوا في الراديو كانوا واعين لهذا التأثير الذي أحدثه الراديو”  محمد كايا – Mehmet Kaya

كنت أبكي دائماً كلما استمعت لأغنية على الراديو. فعلت ذلك حيث كان قلبي يتلوع على مرض والدي. لم يكن مهماً موضوع الأغنية لكن حقيقة  أن الأغنية كانت في لغتنا ومعظمها تتحدث عن أحداث مؤلمة كانت كافية بالنسبة لي للحصول على العاطفة والإجهاش في البكاء.”

 فضيلة_ Fazile

——————————————

Egîdê Cimo موسيقار كردي من مدينة وان (Van) ولد عام 1932، هاجر مع عائلته الى أرمينيا

dengbêj: لون غنائي كردي تقليدي.

رابط المقال الأصلي: https://www.evnreport.com/evn-youth-report0/the-kurdish-voice-of-radio-yerevan

الترجمة عن الإنكليزية والأرمنية.

التعليقات مغلقة.