ياسر عبد القوي يكتب: خمس رحلات ليلية

اللوحة لـ ياسر عبد القوي
اللوحة لـ ياسر عبد القوي

الرحلة الأولـى ( مـدخل):

* لـم يكـن الليـل مظلمـاً و أســوداً فقـط بـل كـان كثيفــا لـزجــا , جسـده كـان يغـوص بلـيونـة في كثـافة الليـل الرخــوة , يمـد يـده اليمـنى ليصـنع شــرخـا في الســواد ثم يوسـعه بكتفـه و يتقـدم بجسـده ليصـنع تجويفـا يسـتقر فيـه لبرهـة ثم يمـد يده اليسـرى صـانعـا شـرخـا أخر دافعــا كتفـه ليوســعه ثم متقدمــا بجســده في التجـويف الجـديد بينمـا يكـون التجــويف الذى تركــه لتـوه قـد التـأم و عـاد جسـد الظلمــة الكثيفـة لتلاحمـه الأول , حـين مـد ذراعـه على طـولها داخـل الظلمــة غاصـت أصـابعه اللزوجــة البـاردة , عــادت ذراعــه دون كـف , و حــبن رفـع وجهـه باحثـا عـن النجـوم انسكب الظـلام في عينيــه فعميتــا , قدمـاه بقيتــا تزحفـان في وجــل متقاربتـين تخشـيان الضــياع و الانفصال عـن بعضهمــا , الجســد الـذى اصـطدم بـه كــان ممــددا علـى الأرض و كـان رخــوا , حـين غاصت فيـه قدمــه خـرجـت ملوثـة باللحــم , حـين أنحـنى , أمسـكـت أصـابعـه بثدي رخـو و ممتلئ نـز سـائـلا لـه رائحــة القبـور , أكملت أصـابعـه زحفهــا إلى الأسـفل فغـاصـت وســـــط بطـن مغطـا بزغـب نـاعـم و كثيـف , أسـتمرت أصـابعـه تزحـف لأسـفل أفزعهـا ملمـس فـرج ســاخـن و مفـتوح علـى ســعته , عـند فوهتــه لامسـت أصـابعـه جســم عظـمى مسـتدير ناعـم و دافئ , ذعـرت فهـربت متعــثرة نحـو الأعلـى , لامســت وجهــا متشـنجـا له أحســاس الزجـاج , ووسـط الشــفتين المنفـرجـتين البـاردتيـن أمسـكت أصـابعـه بكـف صغـيرة غضـة مبللـة بالعـرق , انزلقت أصـابعـه فوق العـينين المغطـاتيـن بالزجـاج فغــاصـتا وســط خصـلات كثيفـة ملبـدة مـن شــعر و فـراء , تـربـع عـلى الأرض متسـليا بامتصاص سـائل القـبور النـاز مـن الثـديـين , أخـذ يجـدل الخصـلات شـبكة ليصـيد بهــا عصــافير النــور حــين تعــود .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرحــلة الثـانيــة (متن) :-

لـم تكــن ظهــيرة شــديدة البـرودة و لا كثيفـة الغـيام حـين خـرجـت مـن مقهــى( الكـريســتال ) متـأبطـا كــراســة إسـكتشـاتى السمينة , عـبرت الطــريق مهــرولا محـاذرا الســيارات المسرعة المارة , عـلى الرصـيف الأخــر أدرت ظهري لطـريق الكـورنيـش , خلعــت حذائي , سروالي , قميصي , أطـبقت يـدى بقـوة علـى دفـتر الإسـكتشـات , اعتليت سـور الكــورنيش الحجري الســميك و قفـزت إلى الناحـية الأخـرى , ســقطت علـى ركبتي فـوق الـرمـال الخشــنة الساخنة , نهـضت ,أخـذت بالسـير في أتجـاه مسـتقيم نحــو الأفـق غـير عابئ بغـوص قدماي في الرمــال الرمــاديـة المحــرقـة التي كـانت تمتــد أمامي حـتى اللانهاية , بعـد سـاعـات مـن السـير المضـنى جلســت لأسـتريح علـى حـافـة قـارب خشبي صـغير متشـقق الألـواح غـائص حـتى منتصفــه وســط الرمـال , داخـله كـان يرقـد صـياد عـجــوز في ســبات عميق مدليــا شــبكة كبيـرة مملـؤة بجـرذان زرقـاء ضخمــة و قـد تحجــرت جثثــها في وهــج الشــمس , ناديت الصـياد فلـم ينتبه , هــززتـه بيدي فسـقطـت رأسـه و تدحرجت وسـط أضـلاع القـارب و بقـى غـارقـا في ســباتـه العميــق , فجــأة ظـهر أمامي بـدوى قصــير محـدودب الظهــر يقـود جمـلا هـزيـلا ذا وبــر نحاسي لامـع , دون كلمــة واحــدة وضــع عقـال البعــير في يـدى , ركـع علـى الأرض شـلح ثوبـه عـن سـاقـه المعـروقـة , ربـط فخـذه ملتصقــا بسمـانته بحـبل غليــظ , أخــرج مـن عبــه ســكينا ضـخمـا و أحــتز بــه عنقــه ســقطـت دمــائـه حمــراء قـانيــة في بلورات صـغيرة لامعــة انتثرت وســط الرمــال تحــت قدمي , حــدق في لثــانية ثـم أخـذ يجمــع البلـورات في جيبــه بينمــا فمـه الأدرد يطلــق صـرخـات خـرسـاء طـويلـة , نهضــت و سـحبت البعـير فأنسـاق خلفي في وداعــة , ســرنا أنـا و هــو مبتعـدين عــن القـارب , بعــد بضــع ســاعــات توقف الجمــل فجاه , تشـنجِـت عضـلات عنقـه و مـن فمـه الضـخم قــاء قطعــا جـافــة مـن الخــبز و اللحــم و السلاطة , ثـم أخـذ يلكها بأنيــابه الصـفراء الكبيــرة , انتظرت باستسلام حـتى ينتـهى مـن اجترار طعـامه , أثـناء ذلك اقتربت مـنى أمرأه فـارعــة الطـول تضـع زريـن نحـاسـيين بدلا مـن عينيــها و تحمل طفـلا صغـيرا ســمينا علـى كتفـهـا , انحنت أمامي في حركة كالركــوع و مــدت أصــابعهــا النحــيلة إلـى مــا بيــن فخذي و اخــذت تداعبــه ببــطء , رأيـت سروالي الداخلي الأبيض يتــمدد إلـى الأمـام , لكنني هـززت رأسي بالنفي , انتصبت واقفــة و مــدت يدهــا لتـعــرى مـؤخـرة الطــفل التي بـدت ورديــة ناعمــة , ابتسمت في تشــجيع و هدى تشــير لأســته الداكــن , أعطــيتهـا مقــود البعــير و انصرفت , أثنــاء ســيرى لاحظــت أن دفــتر إسكتشاتى أخـذ يزداد انتفاخا و ثقــلا , حـين نظــرت أليــه رأيـت شــقا عميقــا في غــلافـه الأبيــض , دفعـت أصابعي في الشـق فأزداد اتساعا , كــان لداخــله ملمـس دافئ و محــبب , وضعـت دفـتر الإسكتشات علـى الأرض , أنـزلـت سروالي الداخلي , ورقــدت فوقــه دافعــا ذكــرى في ذلـك التجــويف الواســع وســط الأوراق , أثنــاء مضـاجعــتنا الطــويلـة كــانت ضــفادع خضــراء صغــيرة تنبــت في كــل مكــان حــولنــا وســط الرمــال الرمــاديـة المحرقة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرحلــة الثــالثــة (مــتن) :-

• لــم يكــن بؤبؤي عينــيه ســوداوين و لا خـضــراوين و لا زرقــاوين , بــل كــانتــا رمــاديتيــن مكــورتين مـائلتيــن للبيـاض كعـوامتــي ســنارتيــن يغطسهمــا في العــالم باحـثــا عــن صـيد , في جلستي المســترخيــة البـــلهــاء علــى المقهــى , كــان حضــوره بمفــرده دون مــرافـق إضــافـة مـثيـرة لنهــار ممــل , بثبــات كـان ينــاور بـين طــاولات المقهــى المتنـاثرة , يـدق الأرض بعصــاه النحــيلة التي لا تفــارق يمــينــه . وقف أمامي , ودون أن ينظــر نحــوى مــد يـده الســمراء النحــيلة إلـى , و قـال بلهــجـة واثقــة : ألا تأتـى معي ؟ , نهـضــت , بـاعــد مــا بيـن ذراعــه و جســده فوضـعــت ذراعي تحــت إبطـه , ســار , فســرت خلفــه , خـــرج مـن بـوابـة المقـهى , قـدمــاه و طــرف عصــاته النحــيلة صــنعــوا ريتمــا راقصــا عـلى الرصــيف الحجري البرتقالي , كــدت أتعــثر في أطفــال راقـصين خضـر الأجســاد أخـذوا يلهــون بـين ســاقـى , هــو لــم يتعــثر !! , بقــى يـدق الأرض برتمــه الراقـص المــرح , اخترقنا الطــريق ببــطء , الســيارات لـم تصطــدم بنــا , أنســالت حــول أجســادنـا ببســاطـة كــأنهــا مــن الزئـبق , عـلى الشاطئ ء المهـجــور للبحــر الوردي كـانت الكونتـرباص الخضــراء ذات الأثــداء الكــبيرة تداعــب أصــابع البيــانــو الأحمــر الضخــم , دهشــا لرؤيتنــا , ثـم عــادا يســتكمـلان مـداعبتهمــا اللطيفــة , كــمان زرقــاء نحــيلة أخــذت تطــرز الهــواء الرطــب بنغمــات بنفســجية , أجلسني باعتناء و جلـس بجانبي , أمتلئ أنفــى برائــحة البحــر المعــطرة بعــطر Body Lotion رجــالــى نـفــاذ , أحســست بــه ينهــض مـن جانبي ففــزعــت , ألقــى إلـى يـدى بقـطع متجلــدة مــن حــلوى بطعــم العصــافــير , وربت عــلى كتفي مطمئــنا , بقــيت في مكاني جـالســا بوداعــة أمتـص قطــع الحـلوى و أتنســم عطــر البحــر منتظرا عــودتــه , أخــر مــا أذكر صــوت رفــش يكــوم الرمــال في مكــان مــا قـريب , لــم أعبــأ , فمــا زالـت بيدي قطعــة أخــيرة مــن الحــلوى لأمتصهــا و هكــذا جلســت أفعــل دون ان أهــتم بتـراكــم تــل الــرمــل الصــغير الـذى كــان يكــومــه فــوقــى .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرحــلة الـرابعــة: (مخــرج) :-

• لــم تكــن العلبــة فـارغــة تمــامــا , بقـيت فيهــا ثــلاث ســجائر , أخــرجــتهـن , وضعــتهـن أمامي في صـفوف متـوازيـة , كــورت العلبــة و رميتهــا جــانبــا , غــيرت وضعهــن لأصـنع مثـلثـا متساو الأضــلاع , أعــدت تغــييـر الـوضــع لأصــنع مثلثــا قائما , أعــدت تغــيير الوضــع لأصــنع مــربعــا مفتــوحــا , انغمست فـى لعبتي العبــثيــة منبهــرا أغــير أوضـاعهــن ثـم أعـيد تغــييرهـا , قــطع تسـلسـل لعبتي ظــل هــائـل ســقط علــى الطاولة , حــين رفعــت رأسي , رأيتــه يقـف بجانبي , جســده الهــائـل يحمــل راســا قبيحــا شــبيه بقطعــة عجــين كــورتهــا الطبيعــة بـلا عنــايــة , مــن فمــه المنبعــج الذى تســـيل الأنف فــوقــه خطــا مــن ســائـل شــفاف , قـتال : ( هــات بـريــزه ……أكــل ) *
, نهـضـت , أجلســته بهــدوء فجــلس مســتمرا في تـرديـد جملتــه البلهــاء بصــوتـه الثـيرانــى , التقطت أحــد سجائري و دسـسـتهـا فـى فمــه , أخذ يمتــص فلتــرهــا في بـلاهــة لا فـاهمــة , أشــعلتهــا لــه
, أخــذ ينفث الدخــان في أنفــاس متتــابعــة مــرددا جملتــه البلهــاء : ( هــات بريزة …. أجــيب أكــل )
, أحســســت بالحــيرة أمــام إلحــاحــه الطفولي المضــحـك و المخــيف , نهــضـت أخذا الســيجــارتيـن الأخيرتين معي ,ممســكا إياهن بيدي في رخــاوة مضيت أتجــول بأنحــاء المقهــى الذى بدا شــاســعا تخــترقــه قطــارات مســرعــة عــديـدة , تفاديت مقـصــات السـكة الحــديـدية , تقفزت وسـط الفلنكــات , حــتى وصــلت إلـى ذلـك الــرجــل الســمين الأصـلع الـذى كــنت أراه مــن مـوقـع جلوسي , وضــعت إحــدى الســيجارتيـن في فمي و الأخــرى في فمــه الشحمي المســتديـر , أشــعلتهــا لــه و انتزعت فخــذه اللحــيم الضخــم , فلــم يعــترض , عــدت إلـى طاولتي حـيث كــان العمــلاق مـازال يـردد جملتــه البلهــاء , وضــعت الفخــذ فيمــا بيننــا و أخــذت أشــاركــه في أكلهــا و بينمــا كـان يمضــغ طعــامه ظـل يـردد : ( هـات بـريـزه …أجـيب أكـل ) و يمســح أنفــه بكمــه بينمــا أخذت أضحــك مشــاركــا أيــاه الطعــام و مــدخنــا سيجارتي .

الرحلــة الخــامســة: ( إسهاب)

……………………………………………………………………………………………………

* البريزة: بالعامية المصرية قطعة نقدية تساوى عشر الجنيه (عشرة قروش)

التعليقات مغلقة.