نبيل الملحم في روايته السابعة “إنجيل زهرة”: مغامرة السرد وذروة المتعة

غلاف الرواية الصادرة حديثاً
غلاف الرواية الصادرة حديثاً

صدرت عن دار رياض الريس، رواية “إنجيل زهرة” وهي الرواية السابعة للروائي السوري نبيل الملحم، وفي هذه الرواية تجاوز الملحم رواياته السابقة، لتتخذ “إنجيل زهرة” مساراً روائياً آخر، ربما أكثر مجازفة من بقية أعماله، وقد عرفناه في بانسيون مريم، وفي خمارة جبرا، وفي حانوت قمر، وسواها من الأعمال التي تربك القارئ وقد حافظت على إرباكه، وكأن الإرباك والمتعة أمران لا ينفصلان فيما يكتبه.

في “إنجيل زهرة”، يبحث الروائي في الزمن، ولعبة الزمن، وكأنما يؤصل للصراع القاتل ما بين زمن البيولوجيا وزمن الرغبة من خلال علاقات روايته التي تتنقل من عاصمة إلى عاصمة حيث دمشق، القاهرة، بغداد ومدن أوربية شتى.

بداية يشعر القارئ وكأنما يطل على سيرة شخصية، غير أن الرواية ليست سيرة كاتب يكتب، هي رواية

تسرد على لسان بطلها سيرة رجل مشبع بالأسئلة.

من الصعب أن نشبه إنجيل زهرة بأي عمل روائي سابق عليه، وبلا شك فإنه عمل يخرج عن تقاليد الرواية التي اعتدناها.

على صفحته في الفيس بوك قدّم الكاتب عمله، نقتطع مما كتب:

لخلاصنا بوابات فقيرة وقليلة ونصف مفتوحة ومن بينها بوابة أن تروي، وأنا رجل يخاف أن يغادر مقعد الراوي، لا لأن الرواية فعل شاهق، بل لأنها الفسحة الرائعة للعبة أن تكون الخالق، فالخالق الذي افترضت البشرية أنه (الله)، هو أيضاً يروينا، لسنا وحدنا من يرويهم، هو كذلك يروي ديدان الأرض، وأحياء البحار والعجائز التائهين والصبية السفهاء، وكذلك الأفلاك التي لم نختبرها، وفوق هذا وذاك ينجو بفعلته من سوء الفهم بعد أن يمسك بأصابع مخلوقاته من أعناقها.

تلك هي الحكاية، كل الحكاية.. هي مجرد أن تلعب لعبة الله، وهي لعبة لاتخص المتفوقين كما يذهب البعض إلى الظن.. لا.. في لحظة ما، هي لعبة العاجزين عن دحرجة الحياة ما بين أقدامهم وتسديدها إلى المرمى كما يفعل لاعبو الكرة، فمن يصوغون حياتنا، يروونها بدروب مختلفة تماماً عن دروبنا .. يروونها بإيقاد الحروب، باقتصاد الخوف، بإدارة غرائزنا، وبالمشانق حين ينفد الرصاص  من بنادقهم، أما نحن فكل ما علينا فعله هو أن نغويهم بابتساماتنا بعد أن نؤكد لهم :

ـ كم أنتم مهمون بالنسبة إلينا.

هؤلاء، قد يلتفتون إلينا بوصفنا:

ـ مهرجون في السيرك الكبير.

فيبتسمون ردّاً لابتساماتنا كما تستدعي اللياقة، ويربتون على أكتافنا المكسّرة ليضاعفوا آلام عظامنا. ثم لا يلبثوا أن يمسحوا على فرائنا.. تماماً  كما يفعل مروّضو الخيول قبل ركوبها.

في هذه الـ (إنجيل زهرة)، تسنّى لي الوقت كي أمارس اللعبة.. لعبة الخلق، وسأكون بالغ الروعة إذا ما انطلت حيلتي على القارئ، وذهب إلى النهاية في تصديق أن بشر هذه الرواية هم بشر من صنع الله لا من صناعتي.. سأكون مبتهجاً وسعيداً حين يأتي من يقول:

ـ هذا الرجل مرّ بي.

ـ تلك العاهرة عرفتها.. لقد فتحت بوابة أحزانها لي وتثاءبت في وجهي. وسأكون اكثر سعادة حين يأتي من يضيف إلى كلامه: “لا.. إنها مجرد عاهرة لمرة واحدة”.

ـ أولئك البشر الممسوسون بالخوف، والتردد، هم من ساكني مدينتي.

ـ تلك البنت، أرغمتني لليلتين متصلتين أن أجفف دموعها وهي في الطريق إلى سرير من يعلمها قواعد المضاجعة.

ـ يا إلهي، أقسم بأنني عرفتها.

 

التعليقات مغلقة.