في سنة غرق المُهاجرين السورييّن – عارف حمزة

عارف حمزة 

يبدأ الغرقُ في اللحظة التي يُخبر فيها “المُهرّبُ” الغارقينَ  بموعد الرحلة الأخيرة للقارب المهترئ.

بمجرّد أن يقولَ الموعدَ يغرقون، والقاربُ ينقلب ويطفو قليلاً كبقرة جرفها السيل، ثم ينزل نحو القاع الذي استقبلَ عشرات الأبقار النافقة.

بمجرّد تحرّك القارب وابتعاده عن اليابسة تشعر بفداحة ما فعلتَ. تشعر بحشرات تدخل رئتيك، ولا تعرف كيف تجلس في مكانك المرتجل في القارب.  ترى ظلّكَ خائفاً فتجلسُ عليه.

بمجرّد تحرّك القارب تشعر بأنّ الحياة صارت سائلة، وبأنّ الجاذبيّة تحوّلت إلى السماء. وعلى سطح القارب الضيّق سيجلسُ كلُّ شخص في منفردته الضيّقة داخلَ أقبية قلعة البحر. ستراقبُ الأطفال والنساء لتختار واحداً ضعيفاً منهم

ستنسى إنقاذَه فيما بعد.

2

الزوجُ يطفو في البحر

والزوجةُ تغرقُ في البيت

تغرقُ وهي تُشاهدُ صور الغرقى الذين تُعرض جثثهم بغزارة

وبسهولة كبيرة تُصاب بفقر دمويّ وهُزال.

الأكزيما التي حصلت عليها حصلت عليها بمهارة مفرطة من أظافرها.

لو أنّها ذهبت إلى وسط البحر لأنقذتهُ بالأكزيما.

3

تموت دواخل الناجين من الغرق.

ولا تعيشُ

سوى المنطقة التي للموت.

4

بسبب الصراخ والعويل والدموع والرجفان

لا يتركُ لك أحدٌ الوقتَ الكافي كي تفكّرَ مثلاً في الانتحار.

وعندما تجلس في قارب الذين انتشلوكَ تبقى صامتاً

مُحدّقاً في أصابعك التي ازرقّت.

تبقى صامتاً وجسدك خفيف وذاكرتك فارغة.

لسانُك أكلَهُ السراب

والشمس تدخل كلّها في عينيك.

تجلسُ على ظلّكَ الذي مات.

5

نظرتُ في عينيها كثيراً.

لا إحمرار فيهما.

لم تحتفظ من البحر سوى بصورٍ تخصّ الجحيم

والبحرُ حوّل عينيها إلى وعائين كبيرين

يمكن غرف الملح منهما بالأيدي.

الملحُ الذي بالأزرق الخفيف

دفنها

في صورة كبيرة وعائمة.

—————–

شاعر سوري مقيم في ألمانيا.

التعليقات مغلقة.