عبد الله أيت بولمان
كان قد عاد للتو من حصة تطهيرية لم تنته كما كان منتظراً لها.. عاد يرشح لا من فرط حرارة ذلك اليوم، وإنما من شبق يبقي ولا يذر.. “الفـندق” * شاشةٌ يتحكم في أزرارها الكبار، ولا يشاطرهم فيها الصغار. أبطالها أتن وحمير. نشغّلها على الساعة العاشرة، ويطفئها من تأخر منا في بلوغ نشوته الفاجرة.
لكن (العربي) لم يطفئ التلفاز في ذلك اليوم..
غادرْنا المكان خفافا نسابق الريح، وتركناه فوق السور وقد أحاطت راحته بقطعة مهترئة لم ينفع معها خيال، لذلك لم يطفئ التلفاز بل ترك الشاشة يائسا بعد انقطاع الإرسال. عاد إلى الحي يهدهد خيبته في انتظار نشوة قد تزوره في جنح الظلام..
وأمام باب منزله استقبلته دجاجة شقراء. نفس الدجاجة التي اشتراها والده ليذبحها عشية ليلة القدر المباركة. كان ما يزال غاضبا فعاجلها بركلة أخطأتها، لكنه توقف في منتصف الطريق:” لِـم لا أكتفي بهذا الفيلم رغم رداءته؟ صحيح أنه لم يحصل على أوسكار ولا سعفة ذهبية، ولكن العنوان يغري بالمشاهدة: “دجاجة القدر” “. كانت الدجاجة لا تزال تتحرك أمامه. تبدّت له في غنجها ودلالها في صورة إنسان، ثم في صورة ابنة الجيران.. وما إن قرقت في مكان ظليل حتى رأت نفسها تحلق فوق الغمام ..
وعلى بعد مترين، ومن ثقب في الجدار، كان الأخ الأصغر يشاطره فُـرجته ويتحكم في أزرار الشاشة من بعيد: “إما أن تسمح لي بمرافقتك أو أخبر والدي بما فعلـتَه بدجاجة القدر. أنت تعرف أنها خير من ألف شهر”. كان قد رأى كل شيء. رآه يفكّ أزرار سرواله، ورأى المسكينة تفتح منقارها ثم تغلقه، فلم يبقَ أمام (العربي) إلا الرضى بالقدر، ولم يكن أمام (علي) أخيه إلا الاستعداد للسفر.
وفي ليلة القدر، وقبل أن تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ بإِذْنِ رَبِّهِم.. قبل أن تتفتّح أبواب السماء نودي للعشاء. لم تكن قد مضت ألف شهر، ولكنهم لم يكونوا فعلا قد ذاقوا لحم الدجاج البلدي منذ زمان.. بدا ذلك من لهفة الجميع ومن تتبعهم لحركات الأب وهو يقسم الدجاجة المسكينة إلى سبعة أقساط. وكالعادة طلب الأب من علي إغلاق عينيه:
ــ نصيب من هذا؟
ــ نصيب (زهرة).
وهذا نصيب من؟
ــ نصيبي يا أبي.
نصيب العربي، نصيب أمي.. نصيبك يا أبي.
وراح (علي) يجيب حتى قبل أن يسمع سؤال والده متلهفاً لتناول حقه من الدجاج البلدي. حين فتح عينيه أقسمت مؤخرة الدجاجة ألا تكون إلا من نصيبه! فعن أي حظ يتحدث والده. ومتى كانت المؤخرة أحسن ما في الدجاجة يا أبي؟
تبادل الأخوان نظرات لوم وعتاب، ثم ران صمت رهيب..
ــ ماذا دهاك؟ أما كنت تستعجلني قبل قليل؟
ــ أنا لا أحب ..
ــ بل هي أحسن ما في الدجاجة يا غبي!
ــ لكنّ العربي ..
لم يكمل كلامه حتى كان العربي يمضغ نصيب أخيه قبل أن يورط الأسرة كلها في فضيحة
لا تبقي ولا تذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود بـ “الفندق” هنا هو المكان الذي يودِع فيه البدو أتنهم وحميرهم ريثما ينتهون من قضاء حاجاتهم طيلة انعقاد السوق الأسبوعية
التعليقات مغلقة.