ليست هذه كتابةً أدبيَّة ولا ترجمةً كذلك، إنّها كلماتٌ حقيقيَّة لمقاتلين حقيقيّين، سيرة ذاتيَّة إنسانيَّة لمقاتلين كرد وعرب، ومن مختلف الشعوب في الشمال السوري، وثّقوا شهاداتهم كلاماً ضدّ أخطر تنظيمٍ مجرم، وما يزالون يحاربونَ التطرّف العالمي الجديد المتمثّل في الدولة التركيَّة والفصائل السورية الموالية له، التي استباحت الكرد بدون وجه حقّ.
إنّها شهاداتٌ تتقاطعُ فيها سيَرُ العذاب والشهامة والإنسانيَّة، جمعهَا شهيدٌ أتى من مكانٍ بعيدٍ في العالم وقاتل ودوَّن وصوَّر وعالج جرحى الإرهابيّين، وأنا أترجمها الآن كلماتٍ مقدَّسَةٍ لقدّيسين حاربوا واستشهدوا وحموا الشرف، وما يزالون.
شهاداتٌ مقتضبَةٌ مكثَّفة، لا تحتاجُ إلى تنميقٍ لغويّ، داخلها إنسانيٌّ بحت وخارجها كذلك، ولا تروم شيئاً سوى تلك الإنسانيَّةَ المهزومة لدى دول العالم.
إعداد وترجمة: جوان تتر
– لحظاتُ البطء –
في الآونةِ الأخيرة، وددتُ الرجوع إلى مكاني في قامشلو، ولكن قبل العودة كنتُ قد انضممتُ إلى حملةٍ عسكريَّةٍ ضد تنظيم داعش في مدينة الرقَّة السوريَّة. في ليلةِ بدء الحملة، وحين كان فريقنا يجولُ في أحياء المدينةِ، انقلبت عَتمةُ الليل، عَقِبَ سماع دويّ انفجار لغمٍ كانَ قد تمّ تعبئته بقطعٍ من حديدٍ صلب، تناثرت القِطَعُ خَلَلَ العتمة في السماءِ كنجومٍ، قلتُ لنفسي: إنّ هذه اللحظة يتمّ إبطاؤها عن عمدٍ على يد أحدٍ ما، بعدها مضت الأمورُ بُعجالَةٍ مُستَهجَنة، كلُّ من حولي يصرخُ ويركضُ في شتَّى الاتجاهات، وحينَ رفعتُ رأسي، أبصرتُ شيئاً واحداً: قطعةُ جسدٍ على مبعدة أمتار، استدلّيتُ لمن هيَ عبر الوِشاح، إنَّه أحد رفاقي، هو نفسهُ كان قد داسَ على الفخِّ/اللغم واستشهد على إثرها، لا أتذكَّرُ كيف تمكّنتُ من النهوض وكيف جمعتُ الأشلاء المتناثرة من جسد رفيقي وانبلجَ الفجر.
قبل الليلةِ تلك، كنَّا قد تعاهدنا، إن استشهد أحدُنا، فسيبقى الجميعُ ها هنا إلى أن يموتَ آخرُ مقاتلٍ “داعشيّ” في الرقَّة، وأنا الآن أفي بوعدي، لن أبرحَ هذا المكان حتَّى تتحرَّر المدينةُ بأكملها.
التعليقات مغلقة.