تنفست قليلاً – زينب هداجي

زينب هداجي – تونس

جلست على المقعد الخشبي في الحديقة العمومية، التفتت يميناً و شمالا، أخرجت هاتفها من جيب المعطف الرمادي في حركة عصبية وهي تصرخ في وجه طفليها: “هيا أغربا عن وجهي، دعاني أتنفس قليلاً، إن شاء الله تذهبان بلا عودة!”.

هرول الطفلان مبتعدين عنها ليرتميا بين أحضان العشب المتآكل، انخرط الصبي في اللعب بالكرة مع صبية آخرين استقبلوه بشغف الأطفال، أما البنية فقد تاهت بين الأشجار تركض حيناً وتسقط أحياناً، وذلك لحداثة خبرتها في استعمال الساقين.

ثم بدأت تتنفس بصعوبة لانسداد منخاريها بالمخاط. عيناها تدمعان في صمت وهي تحاول نزع سروالها لتقضي حاجتها البشرية، تمكنت من ذلك بصعوبة، قرفصت تحت شجرة ثم حاولت لفظ البراز، لكنها وجدت صعوبة كبيرة في ذلك، بكت بصوت عالي وهي تنادي أمها بألفاظ مشتقة من كلمة “أم” لا تفهم بسهولة، حملقت في المكان بحدقتين مفرغتين.

الفتى مازال منغمساً في اللعب بالكرة إلى أن تورط في رميها مسافة بعيدة، عندها، استعاض رفاقه في اللعب عن الترحيب بالصراخ والتأنيب وأمروه بأن يذهب ويجلب الكرة وإلا فإنهم سيوسعونه ضربا، ركض مسرعا في اتجاه الكرة وصدره يهتز وينخفض في صمت، تمنى أن يستعين بأمه ليفلت من عقاب الأولاد المتنمرين ولكنها ستعاقبه ضعف عقابهم لو علمت بما صنع.

جرى بخطوات متعثرة وبعينين عليهما غشاوة، توغل أكثر بين الأشجار، لمح معطف أمه الرمادي، شعر بارتياح نسبي، اقترب منها ووقف أمامها، كانت بين أحضان رجل لا يعرفه، تقبله ويقبلها، وهما يتنهدان بصوت منخفض، لم يكلمهما، لم تشعر بوجوده رغم أنّ الكرة كانت على مقربة من قدميها.

تدحرج إلى هناك ببطء، بقي مشدوها إلى أن أقبلت أخته الصغرى في حركة هي مزيج من الحبو والركض، تبكي و سروالها ما زال مسحوبا إلى الأسفل، ركض مبتعداً عندما انتبهت أمه إليهما، البنت واصلت البكاء وجلست على العشب بمؤخرتها العارية وهي تنظر إلى أمها.

 

التعليقات مغلقة.