الوجهان – عبدالحي عيادي

عبد الحي عيادي

أجري كزوبعة الريح خلف الراكض أمامي، يغريني عناده اللاّ مفهوم،

أهو الخائف أم أنا؟

لا يشتهي قتلي حين يوجه بصره إلي، لا أشتهي قتله حين أوجه بصري إليه، لكننا نركض.. نركض..نـ ــــــركـ ـــ ــ ـض… هو الهارب و أنا المطارِد و كلانا في جناح اللاّ مقدر مبعثران، كأن المفقود يجرجر أذياله فينا أو كأننا فيه ماجنان، يقفز حين يقترب من حفرة، أقفز حين أقترب من حفرة، يغطي وجهه الذي لا أراه كي لا أتعرف عن ملامحه أو ليحفزني على تغطية وجهي، هكذا نجري والطريق تطول كأن النهاية مستحيلة أو كأننا نرفض إيجادها، كأننا وهم، كأننا حقيقة متنكرة بزي الوهم، هكذا نجري من شارع لآخر، من درب لدرب، قدماي  تهرولان في الهواء، قدماه تهرولان في السماء، على يميننا أجساد، على يسارنا أجساد لا نتعرف على حقيقة وجوهها،

أهي وجوه حقيقية أم أنها مجرد علامات توحي بمخلوق بشري!؟

فجأة سمعت صوتاً ينادي، توقفا عن الركض أو اركضا، لا أدري هل سمعه بدوره أم لم يسمعه؟ هل فهمه أم لم يفهمه، هل له عقل أم هو مجرد مجموعة من الأعضاء تركض بلا تعب، ثم انعطف على يساره ليدخل في درب.. أو شارع، لحقت به، الدرب أو الشارع  بشساعة العمر، وبطول القدر الضاري، أنهش كبد الظلام الأوديبي، لحقته حين التف، مرَّ بجانب فرعون ينزع وجه ابنه بوحشية، ضحك هو و بكيت أنا، كلانا تأثر بالمشهد لكن كل على طريقته الخاصة، كيف تحررت  ضحكته في فمه؟ كيف انهزم البكاء في فمي أنا؟ ربما رأيت وجه الطفل المنزوع أكتر براءة من زقزقة عصفور، من نظرة حمام زاجل فوق أسطح المنافي،

ربما رآه هو غير صالح للبقاء، فرولة في غير وقتها، نطفة براءة وسط ملكوت إبليسي، ربما خاف فرعون على وجه ابنه من الآخرين فقرر نزعه بيديه، أكملنا المطاردة الحمقاء الملحمية، لا شيء آخر سوى الركض، أهو عام الهَرْبة؟ فجأة توقفت بجانب أحد السّقّايات ليقف هو بعيداً عنّي، لم أدري لمَ توقفت، ربما أردت الشربَ أو ربما أردت الاطمئنان على وجهي من خلال انعكاسه على الماء المتدفق، ثم وجهت بصري إليه، ربما أردت أن أغوص في عيني هذا المجحوم فوجدته يلهث كالكلب، أكان كلباً حقّاً؟ لحظة رآني، ركض فتبعته مرة أخرى، لكن لماذا يركض ولماذا أتبعه؟، هل قام بشيء ما؟ )تقول أمي مديرش متخافش ( أهو سباق خيول؟ من يقامر على وصولنا يا ترى، لمِ هو خائف هكذا؟ أتراني السبب في هذا الأمر؟ أيعرفني؟ أكانت قطيعة الدم تدفعني إليه أم هي شرارة ثأر تشعل انتقامها من جديد، تخط شطراً آخر للزمن؟

هكذا نرسو والدقائق مموجة تشيّع وجهنا ظلمةُ الشوارع، أنحن الحقيقة الموهمة أم الوهم الحقيقي؟ أهو الحياةُ الجحيم المقيد؟ أأنا الموت المبهم الحر الأبدي؟ لا أعلم.. كلانا يدور في فلك نفسه، تستعصي عنا المفاهيم، تشدنا كقيد رزين، كل منا يشتقّ من التأويل ما يبرر حالته، فجأة أثارنا ضوء لامع أغرى أعيننا أو أعماهما، ربما هو الأمل المحتضرالشحيح في تطلعاته، أو النهاية التراجيدية أو محطة القلق السيزيفي، جرى هو نحوه، ربما ليضللني، أو ربما لتتضح له الطريق أو لينسلخ من الظلام المنسوخ كهوية العبث المجلجل، تبعته بدوري، ربما أردت التعرف إليه من خلال انعكاس الضوء عليه، أو ربما ظننتني سأقف بمجرد ما تلامس قدماي الضوء المنسكب فوق الأرض كزبد الشطح المقتضب، لكننا بمجرد ما وطئنا المكان المضاء حتى أطفئت المصابيح وعاد الظلام أقوى من ذي قبل، كما عادت الحركة من جديد وتهاتف الصخب فغنى أبكم كان على الجانب الأيمن أو الأيسر أغنية الصمت المريح.. أو المطمئن.. أو المميت، وتقيأت عاهرة أو ضحية قلبها ووضعته بين فخذيها وزغردت.. أو صاحت.. أو بكت، ورآنا الأعمى وتعامى، لم نكترث لشيء، كان الركض لعنتنا الأسطورية، تماهينا بعفوية، تجاوبنا بروتينية خاضعة، أهكذا كنّا نغزو فيالق الغموض الكابوسي، نرتجي استيعاب غرقنا السّادي، ربما.. ما هي إلا دقائق حتى توقف أمام أحد الدروب المسدودة، حاصرته في الزاوية، وجهت له لكمة لأضعفه حتى لا يتمكن من الهروب ثانية فانتفخت عيني، استغربت! شددته من رقبته بقوة وسحبته حتى أتعرف عليه، فوجدتني أهو مرآة؟                            

التعليقات مغلقة.