الصورة بين المرئي واللامرئي: من التصور الديني إلى التصور الفلسفي – عزالدين بوركة
عزالدين بوركة
(شاعر وباحث جمالي مغربي)
يكاد يكون المرئي صنيعَ اللا مرئي، فصورة السيد المسيح صارت -مباشرة بعد موته- تحمل قدسيته، وتحمل بركاته ومعجزاته، التي فيها خلاص المذنب والآثم. إننا لا نستطيع التفكير في “الله” دونما التفكير في هيئته وشكله، فمهما قَرَأنا عن تحريم تجسيد وتجسيم الذات الإلهية في الإسلام، فنحن -لاشعورياً- نفكر في الإله كجسد، يكاد يشبهنا: “يد الله فوق يد الجماعة”، “لقد سمع الله قول التي تجادلك”، وإنه “المبصر السميع”، و”استوى على العرش”… تكاد جميع صفات الإنسان تجتمع في الذات الإلهية، ما يجعلنا نضع تصويراً ذهنياً لها. ويعود هذا الأمر، لما يسميه هيوم بـ”الظواهر النفسية التي يحدث خلالها نشاط خاص بالصور”، التي لا نفهمها إلا بالتمييز بين الصور الخارجية، المدركة حسياً، والصور التي تحدث في الداخل، تلك المسماة صوراً عقلية. وإننا حينما نتكلم عن شيء، مهما كان تعريفه، فإننا نُكوّن عنه صورة أو صوراً (الصور الذهنية)، لنستطيع استيعابه وإدراكه، وامتلاكه. فإننا لا نمتلك الشيء إلا بتصوُّرِه، ولو كان غير مرئي، فنحن نصنع له صورة “نراها” لندركه، إنه أمر شبيه بما اصطلح عليه “آلان بايفيو A. Paivio”[1]، في دراساته النفسية، بالترميز الثنائي أو المزدوج dual للمعلومات، إذ أن المعلومات يتم تمثيلها في الذاكرة عبر نظامين منفصلين، إلا أنهما مرتبطين، كلياً، في تحديد ماهية المعلومة، ويتعلق الأمر بالتفكير باللغة (النظام اللفظي)، والتفكير بالصورة العقلية.

- الصورة من المنظور الديني:
فالصورة -والمنحوتة والتمثال والرسم- إن كانت تعتبر عملية تخليد في منحى من مناحيها، فإنها تخليد للاَّ مرئي (الميت في هذه الحالة) بشيء مرئي. فإن هوى الفنان ومهمته الكبرى، كما يخبرنا عبد الكبير الخطيبي، هو تحويل ما هو متخيل ولا مرئي إلى ما هو مرئي. أما في المقابل “فالدين الذي ينهض على تقديس الأجداد يتطلب أن يعيش هؤلاء خلال صورة”[2]. إن كان المسيحيون، قد أرّخوا لأسلافهم (المسيح مثلاً) بالصور، ليخلدوهم، فبفعل تحريم التصوير في الإسلام السني (رغم غياب نص قرآني صريح، في حضور كثيف للأحاديث التي تحرّمه)، حضرت الصورة الذهنية المبنية على السرد اللغوي محلّ التجسيد المرئي… إذ كثيراً ما نتساءل، كيف كان ممكناً للعرب في الماضي أن يستغنوا عن الصورة. يبدو أنهم ما كانوا يهتمون لذلك إطلاقاً؛ وهم على أي حال لم يبذلوا أيّ جهد لتخليد صورتهم. ماذا كانت صورة هارون رشيد، والمتنبي، وابن رشد؟ لن نعرف أبداً مع أن الرسم كان موجوداً في بعض الحقب، غير أنه ما كان يخطر على بال أحد أن يستخرج صورة لنفسه. لم يكن لأسلافنا وجه.[3] إلا أننا قادرون على تخيّل الصحابة كيف كان شكلهم وكيف كان شكل الرسول وغيرهم من الأسلاف. فحلت اللغة بديلاً عن الصورة، وحل الذهن بديلاً عن الإدراك البصري. فلا يمكن تجاوز اللا مرئي، لكونه عمق لابد منه لتشكيل المرئي. وبفعل موضوع الموت، واستعصاء إدراكه وفهمه، عمد الإنسان إلى الإعلاء من اللا مرئي، بجعله مرئياً، وتشكيله عبر وضعه موضع الصورة المجسَّمة. فتمّ وضع الإنساني في مرتبة الإلهي، أي من المحسوس إلى الميتافيزيقي. لتتحول وظيفة الصورة من وضع اللا مرئي إلى المرئي، والمرئي، يتحول، بدوره، إلى اللا مرئي، إذ كل ما في الصورة هو “مقدس”.

لقد عمل الفن الإسلامي، السني خاصة، على جعل التجريد فناً للتعبير عن المرئي واللا مرئي، بالخصوص، إذ حاول أن ينقل تصوّراته عن العالم الآخر بشكل غير مجسَّد، ونقل العالم الدنيوي، المنظور، عبر التسطيح والتبسيط والتنميق والنقش والتوريق.
فالعلاقة بين الدين والفن، في الإسلام، هي علاقة جدلية قائمة على ثنائية المرئي واللا مرئي، وغايتها ملامسة الروح وتهذيبها للارتقاء، وبلوغ المطلق، ومنه عظمة الله بصفته المصوّر (=الخالق). فالله بالنسبة للمسلمين هو مَبْدأ ومُبْتدأ ومُنتهى كل شيء، منه يبدأ الخلق و”إليه المصير”.
أما الجسد (الوجود الإنساني بصفته مرئياً) فيحضر، في الفن الاسلامي، بصفته مُحرَّماً إبرازه، داخل دور العبادة، إلا أنه يتخذ حصوراً رمزياً عبر شكل النوافذ والصوامع التي توحي بقضيب الرجل، والقباب التي هي تمثيل لصدر المرأة، أو لثديَيْها. ففن العمارة هو فن الجسد، بالضرورة. فالأمر يصير شبيهاً بما عبّر عنه ميشيل فوكو، بكون “المجتمعات الأكثر تحريماً لشيء هي الأكثر هوساً به”. بينما تصالحت المسيحية مع الجسد فجعلته مكشوفاً وعارياً، إلا من العورة، (ذلك المكان الذي خرج منه الشيطان حينما دخل إلى جوف الإنسان وهو مازال على هيئة طين). فيما بُنيَ تحريم الصورة على كون الذات الإلهية فوق كل وصف، لا يمكن وصفها أو تصويرها، فهي لا تدرك، وبالتالي لا تُمْلَك. إنها شيء متعالٍ، شيء يُعرف ولا يُدرك. إنها الميتافيزيقا في أعلى تصوراتها وتمثلاتها.

وتأتي المعاجم العربية على ذكر أن “صور: في أسماء الله: المصور وهو الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها (…..). و تصوَّرْتُ الشيء: توهمت صورته فتصوَّرَ لي. والتصاوير: التماثيل. وفي الحديث: أتاني الليلة ربي في أحسن صورة. قال ابن الأثير: الصورة ترِد في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته. يقال صورة الفعل كذا و كذا، أي هيئته، و صورة الأمر كذا وكذا أي صفته.”[4]
فالصورة تأتي إذن، بمعنى هيئة الشيء وظاهره، كما أنها توَهُّم، أي تصوّر imagination، ما يمكن أن يجعلنا نربطها بالذهن والتخيل… إلا أنها تتجاوزه إلى ما هو حقيقي، فهي في اللغة العربية صفة الشيء. فكما جاء في المصباح المنير “(ص و ر ) الصورة: التمثال وجمعها (صُوَرٌ) مثل غُرْفَة وغُرَف و(تصوَّرْتُ) الشيءَ مَثَّلْتُ (صورَتَهُ) وشَكْلَهُ في الذهن.”[5]
ونقول: “صوّره تصويراً، جعل له صورة و شكلاً و نقشه ورسمه… وتصوّر الشيء تصوّراً، توهم صورته فتصور له أي صارت له صورة و شكل (……) والصورة الشكل وكل ما يصور مشبهاً بخلق الله من ذوات الأرواح و غيرها، ج. صُور و صِور و صُوْر”.[6]
فللصورة في اللغة العربية معنى التدنيس والتقديس في الآن نفسه، من حيث هي رديفة بـ”الله” تارة، إذ هو المُصوِّر، أي الذي يصور مخلوقاته كما يشاء[7]، ومن جهة أخرى هي رديفة التماثيل باعتبارها معبودات عند العرب قبل الإسلام، ومن هذا المعنى الأخير تم بالتالي تحريم “التصوير” (=النحت)، كما جاء في حديث. ولعل هذا المعنى الأخير للصورة هو الذي أدى إلى تنامي هذه النظرة الازدرائية للصورة في الثقافة الإسلامية والتي ربطتها بعبادة الأوثان. فالإنسان كائن “لا حول ولا قوة له”، إنه ضعيف حسب التصور الديني، فمهما فعل لن يستطيع بلوغ “القدرة التصويرية الإلهية”، فالله هو المصور (الخالق)، وحتى وإن صوّر الإنسان شيئا ما فعليه أن ينفخ فيه الروح، التي هي من “نفس الله”، كشرط تعجيزي، بينما الإنسان جزء من “الكون والفساد” فهو محدود في الزمن والمكان، إن حي ليموت، أما الصورة فتخليد له، حتى بعد موته، ما يضع الإنسان أمام محاول مضاهاة الله وتحديه “بالخلود”. هذا في الوقت الذي تأتي فيه الصورة باعتبارها رديف الجمال والكمال، فالله (المطلق) خلق الإنسان على صورته.
إننا مخلوقات على صورة الله ! ألا يكفي النظر إلى بعضنا لنرى الله؟ يقول الحلاج “فإذا أبصرتني أبصرته”، إن الأمر يتعلق بالبصر. والبصر هنا، لا يعني النظر العيني فحسب، بل يتعلق بالباطن (البصيرة – مركز المعرفة)… فـ”النظر” عند الصُّوفية بصيرة، وهذه الأخيرة هي عمى العين المجردة. إن الصوفية لا يرون الله إلا رؤية قلبية (رأيت الله بعين قلبي /الحلاج، الطواسين)، ولا يتجلى ذلك إلا عبر الشطحات التي تقود إلى الاتحاد مع الذات الإلهية. فالله متجسد في كل مخلوقاته كما يرى الصوفية، إنه يحلّ فيها ويتوحد معها (نحن روحان حللنا بدنا)، ف”الله روح” (يوحنا، 4: 24)، وليس جسداً، إنه هيولى بالمصطلح الفلسفي، منه تتكون كل المخلوقات. وإنك مهما فعلت لن تستطيع رؤيته، فقد أغمي على موسى وانهار الجبل وتفتت حينما حاول أن يتجسد الله فيه “فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا” (الأعراف، 143/ القرآن)، “لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِيَ، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ” (سفر الخروج 33: 20).
إننا لا يمكن أن نرى الله، لكننا يمكن أن نقرأ كلامه، أي نسمعه. إذن “نحن نرى ما نقرأ ونسمع ما لا يمكن رؤيته”[8]. إن الثقافة الإسلامية هي ثقافة السمع، والتاريخ العربي قبل الإسلام وبعده، هو تاريخ شفوي يتأسس ويدور حول السمع. تاريخ طويل من الفقه، والحفظ، والترتيل، والنقل الشفوي. في المقابل، أي في الضفة الأخرى، فالثقافة الغربية منذ أفلاطون أسست المعرفة على العين، لأن الإنسان يشكل في هذه الثقافة المركز. من هنا ينطلق أفلاطون ليصل إلى مبدأ (الخير الأسمى)[9]. فالاستتيقا الغربية تنبني على “النظر”، عكس الثقافة الإسلامية التي ظلت مُتَردِّدَة تجاه هذا المفهوم، مثلها مثل باقي الديانات السماوية. فالرؤية العينية لا يمكن أن تكون وسيلة للمعرفة[10]، كما يؤكد الغزالي. و”قيل لإبليس “أسجد !”، ولأحمد “أنظر !”، هذا ما سجد، وأحمد ما التفت يمينا ولا شمالا: “ما زاغ البصر وما طغى”[11]. ولم يتم تصديق زرقاء اليمامة حينما قالت إنها “رأت بعينيها” العدو قادم، أو الأشجار تتحرك، وفُقِئَت عيناها حينما اجتاز العدو سور مدينتها… فالعين تشكل خطرا ولا يمكن تصديق “النظر البشري” إنه دائما مضلل. و الرائي هو مثل الفراشة التي كلما اقتربت من منبع الضوء (الحقيقة)، إلا واحترقت وغابت عن الوجود. فحينئذ يصير [الناظر] متلاشيا، مُشَتَّتاً، ومتطايرا، فيبقى بلا رسم ولا جسم، و لا اسم ووَسْم… من وصل وصار إلى النظر، استغنى عن الخبر، ومن وصل إلى المنظور [الله] استغنى عن النظر[12]. فلا يمكن النظر إلى اللاَّ مرئي باعتباره نوراً ساطعاً، وناراً مشتعلة وحارِقَةً. وإن “دنا وتدلى وكان قاب قوسين أو أدنى” فإن حجاباً وهو هُنا،(سدرة المنتهى) يَحْجُب النظر.
لقد حرّمت كل ديانات التوحيد الصورة، واعتبرتها حاملاً لخطورةٍ تُجاه العباد، وصَرْفِهم عن عبادة الخالق الذي لا يُسجد، ولا يُجسم، ولا يصوّر. فيصير اللاَّ مرئي مُحَرّمَة رؤيته، إنه حامل لطاقة لا يمكن تحويلها إلى مادة، إنها فوق كل مادة. إننا في عالم الكون والفساد، عالم قائم على الحياة والموت، كل شيء فانٍ «ويبقى وجه ربك…»، فالعين لا ترى سوى الأمور الفانية.
إن الذات الإلهية خالدة، لا يمكن النظر إليها ورؤيتها بأعيننا، “لا يدركها الفساد” (تيموثاوس الأولى، 1: 17). بينما المسيح قد تجسد و”مات” فأمكن تصويره، ونحته، أي تخليده دون عوائق، أو تحريم وتَحْلِيلٍ.
أما في الديانات القديمة، المصرية، الفرعونية مثلاً، فقد أخذ الرسم المرئي على جدران الأهرامات الداخلية، قُدْسِيَة، وقُوَّةً كبرى، إذ هو السبيل إلى الكشف عن اللامرئي (عالم ما بعد الموت)، فعلى الفرعون اتِّباع خطوات الرسومات التي تُبيّن سبيل الخلاص وطريق النجاة في العالم الأخروي. فيحضر الرسم بصفته حاملاً لقوى كاشفة، فخاصّيته، كما يقول التشكيلي بول كلي، “تكمن في كشف اللثام عن اللا مرئي”[13]، وذلك عبر قوى غير مرئية. أما في بلاد ما بين النهرين، قد شغل اللاَّ مرئي الحضارة، ومثل العالم المقدّس، متخذاً عدة هيئات وأشكال ذات طابع أسطوري. احتل الفن فيه الدور الأبرز للكشف عن العالم غير المرئي، إذ احتوت تلك الأيقونات والرسومات التجريدية على أواني الفخار والخزف، التي أبدعتها أنامل الفنانين، رموزاً ذات صبغة قوية، و”سحرية”. فصار الفن عبادة، وتجسيدا لِلَّا مرئي. وخاصة في منحوتات الفنون السومرية التي تحاول أن تتسامى باتجاه المطلق اللامرئي في روحية الفنان الداخلية من خلال إضعاف صفة المشابهة مع الشكل الواقعي مما يجعله يمتلك قابلية للتأويل غير محددة، فلم يكن هناك أي فنان سومري يستطيع أن يصلي لتمثال يجد فيه مجرد تقليد للإنسان، فالقوة اللا مرئية، اللامتناهية، واللاَّ مُدرَكة، الخفية للتمثال قد تم الظفر بها عن طريق تميزه عن أي نوع من مثل هذا التقليد[14].
الحَظّ (….)
نسمّيه خادم آلهة في أساطيرَ
نحن الذين كتبنا النصوص لهم
واختبأنا وراء الأولمب …
فصدَّقهم باعةُ الخزف الجائعون- (محمود درويش /لاعب النرد).
لقد ساهمت الديانات المشرقية، الفرعونية والرافدية، كثيراً في بناء “تاريخ النظر” الغربي منذ الإغريق، وفي امتلاك الأسس الأولى “للنظر”، وهو ما لم يتكوَّن لدى العرب ولا لدى المسلمين الذين حاربوا العين أكثر مما حاربها التوراة، باعتبارها تقتل وتدمر بالحسد، إنها رديف الهلاك.
إن النظر في الإسلام مقترن بالآخرة، برؤية الله أو انتظاره، والنظر هو قرين التأمل في الوعيد، في عذاب وعاقبة الأقوام السابقة “فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” (آل عمران، 1137)، كما النظر لتجليات الله في مخلوقاته “أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ” (ق، 6). إن النظر قرين سلطة الله وعظمته في الدنيا، وقرين رؤيته في الآخرة، فالله لا يصير مرئيا إلا بعد الموت. يلزم أن نموت لرؤية الله، “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَة . إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة” (القيامة، 22-23)[15].
لقد تساءل الإغريق وتجادلوا حول جوهر الوجود بين المرئي واللاَّ مرئي… فتجلى عند الفيثاغوريين قوة اللا مرئي في الرياضيات، فجوهر الوجود لا يتم اكتشافه إلا بالأرقام والأعداد. بينما راح طاليس لاعتبار الماء جوهره لما له من قوة لا مرئية، وهو ما نلمسه في الموروث الإسلامي “وَجَعَلْنَا مِنَ الـمَـاء كُلّ شَيء حَيّ” (الأنبياء، 30). هذا الموروث الذي جعل من الذات الإلهية تحمل كل قوى اللاَّ مرئي، ومنها يتفرع كل موجود، والوجود-هنا المتمثل في حالة الإنسان، فتصير هذه الذات هي المصدر الوحيد لكل هذا الوجود. فما الفن الإسلامي إلا تجليا لذلك اللامرئي.
- الصورة من المنظور الفلسفي:
أما من الجهة المقابلة، فالسؤال الفلسفي للصورة هو سؤال إشكالي، لأنه يتداخل مع المجالات الجمالية، والإبستيمية (المعرفية)، والميتافيزيقية، وحتى الأخلاقية. هذا من زاوية النظر الفلسفية. لكنه أيضا أمر انعكاسي لأنه يجبر الفيلسوف على التشكيك في العلاقة بين الأشياء ومظاهرها، وبالتالي في العلاقة بين الفلسفة والصورة والمشترك بين الجوهر والصورة. الفلسفة، إذن مرآوية (عاكسة)، وتعود بلا تَردُّد إلى الذاكرة المرآة. إنها الحالة التي يناقشها ميرلو بونتي حينما يفكر في البحث عن تَطوُّر الذات ومراحلها المختلفة.
فبالنسبة له الصورة تظهر، أوّلاً، داخل التفكير. إذ يرى هذا الفيلسوف أن العالم هو هذا الذي ندركه، إنه بهذا يُغَيِّر نظرتَنا تجاه الكوجيطو الديكارتي، فلستُ أفكر لأوجد، فأنا ما دمت موجوداً في العالم أتعرف على نفسي داخله ومن خلاله. فيعلي ميرلو بونتي من قيمة الجسد ويجعله متَّحداً مع الروح، وليس هناك أي تسامٍ للروح عليه كما يرى ديكارت. إن ميرلو بونتي يعيد الاعتبار في هذه الرؤية إلى الجسد، باعتباره أداة لإدراك المرئي (العالم). فعلى سبيل المثال، إني أرى المنزل المجاور من زاوية معيّنة. وهو قد يُرى بشكل مختلف من الشاطئ الأيمن لنهر السين وبشكل آخر من الداخل، وبشكل مغاير أيضا من الطائرة… ماذا تعني هذه الكلمات؟ أن أرى ألا يعني ذلك دائما أننا نرى من مكان ما؟ فالقول إن المنزل لا يُرى من أي مكان ألا يعني بأنه غير قابل للرؤية؟ ولكن عندما أقول بأنني أرى المنزل يعني، لا أقول شيئا قابلا للاعتراض: لست أعني أن شبكية وعدسة عيني كأعضاء مادية تقوم بعملها وتجعل المنزل مرئيا بالنسبة لي[16]“. لقد جعل ميرلوبونتي من الجسد رائِياً ككل، إنه كله أداة إدراك. فأنا جسدي، به أدرك العالم وبه يدركني العالم.
لقد، أعاد ميرلوبونتي، بهذا، الصلة بين الرائي والمرئي، كما أعاد بالمثل، الصلة التي قطعها ديكارت بين النفس والجسم، ومن ثم لم يعد الجسم أداة أو وسيلة تستخدمها النفس للرؤية؛ وإنما أصبح الأنا المتجسد هو الذي يرى ولم تعد الرؤية واحدة من أفعال الأنا (الفكر الديكارتي)، التي تتم كلها بغير جسم، وإنما أصبحت فعلا يحدث في الجسم المنضوي أو الموجود في مكان ما.[17] فكما في كتابه “العين والعقل”[18] يقدم ميرلوبونتي مقاربة خاصة، إذ بمقارنته بالعلم وفن التصوير الصباغي peinture (الرسم) يخبرنا بأن العلم لا ينظر إلى الأشياء إلا من أعلى ولا يسكنها بل يستعملها “فهو لا ينفذ إليها”. في الحين الذي فيه، ينغمس التصوير في عالم الرؤية. والمصور أو الرسام، لا يصف التمثلات الموجودة في عقله، إنه لا يعمد إلى اللغة، بل إلى استعمال جسده كله، “إنه ذلك الجسد الذي يمتزج بالعالم المدرك”. هذا يُدْخِل المصور (الرسام) في مفارقة الوجود داخل العالم وبعيداً عنه. والواقع أن من المستحيل على المرء أن يتصور كيف يمكن للروح أن تُصَوّر. فالمصور إذ يعير جسمه للعالم يحيل العالم إلى تصويره. ولفهم هذه التحولات ينبغي إعادة الاهتداء إلى الجسم الفاعل والواقعي، ذلك الذي ليس قطعة، من المكان أو حزمة من الوظائف. وإنما الذي هو تشابك من الرؤية والحركة، فنحن لا نرى سوى ما ننظر إليه. وماذا تكون الرؤية بدون أية حركة للعينين، وكيف لا تفسد حركتها الأشياء إذا كانت الحركة نفسها فعلا منعكسا أو كانت عمياء، وإذا لم تكن الرؤية تتسابق فيه؟ إن جميع تنقلاتي، يقول ميرلوبونتي، تُرتسم أساسا في ركن من المشهد الذي أراه، وتُنقل على خريطة المرئي. وكل ما أرى هو من حيث المبدأ في مدى تناولي، أو على الأقل في متناول نظرتي.[19] إني لا أدرك في العالم سوى الذي في متناول نظري، الذي أدركه بصريا. فأنا أدركه ببصري، أي بعيني، أي بجسدي ككل. “فالجسد هو واسطة الكائن في العالم، وامتلاك جسد يعني بالنسبة للكائن الحي الانضمام إلى وسط محدد، والاندماج بمشاريع معينة والانخراط بها باستمرار[20]“.
فالجسد يعطيني القدرة على الانغماس في العالم، المدرك، والانخراط فيه، باعتباره الوجود المرئي للكائن، فنحن موجودون من حيث نحن جسد من لحم. إلا أن الماهية والوجود، والخيالي والواقعي والمرئي واللامرئي، كل هذه المقولات يخلطها التصوير (الرسم)[21]. فيصير لابد من قلب كل شيء. فيحضر التصوير باعتباره ميتافيزيقا شبيهة بالوضع الذي عند هيدغر، إلا أن دعوة ميرلوبونتي للعودة إلى الجسد، هي دعوة إلى إعادة التفكير في الاستتيقا التي ستعمد إلى زعزعة تاريخ الفلسفة وإعادة بنائه.
- الصورة المسخ: السيمولاكر
للصورة سحرها وسلطتها الخاصة، و يا لها من صدفة مدهشة أن نجد الصورة image والسحر magie يتكونان من الأحرف نفسها. فقد حوّلت الصورة العالم عبر سحرها إلى عالم صغير، يمكن التنقل بين أركانه بكبسة زر أو نقرة فأرة. لا تقتصر الصورة على المجال الآلي (الفوتوغرافي /السينمائي…) بل تتجاوزه إلى المتخيل (الشعري) والذهني. فعودة إلى تاريخ الفلسفة، صار للصورة موطئ قدم في الحقل الفلسفي، فخُصصت لها كتب عدة وتناولها فلاسفة كثر، بل إنها من أقدم المواضيع طرحا في الفلسفة، منذ بدياتها الأولى، وإن تم تبخيسها وتهميشها، إذ عمد أفلاطون إلى دحضها باعتبارها تشويها لعالم المثل. معتبرا إياها “مسخا” أو ما اصطلح عليه ب”السيمولاكر”.
سيمولاكر، ظِلُّ عالم المــُثـُل، أو الشبح الذي لا نستطيع لمسه، لأنه غير مادي (إنه المرئي غير المرئي) أو بمعنًى أدقّ، فهو مُشوه، ومجرد صورة (أو ظل) على جدار الكهف… فالكهف هنا شبيه بقاعة السينما، حيث تعمُّ الظلمة وتأتي الصورة من حيث لا نحتسب. تأتي من خلف أعيننا، من حيث لا نراها، إنها شيء سحري يصعب إدراك مصدره، إلا أنه يشدنا إليه، يجعلنا مندهشين، غير قادرين على الحراك. أفلاطون اتّخذ الكهف ليعبّر عن هشاشة السيمولاكر (الصورة المشوهة للواقع) القادم من الأعلى، من خلف رؤوس سكان الكهف (العالم الدنيوي)، ولنتحَرّر، علينا معرفة مصدر الضوء، مصدر الظلال، ما بعد مصدر الأشباح، ما بعد مصدر الصور: عالم المثل.
الصورة إذن تأسرنا تشدنا إليها، لما لها من سلطة، وتُبْعِدُنا بقوة عن العالم الحقيقي، باعتبارها تشويها له. بينما هبط أرسطو بالصورة من عالم المثل (الجوهر) لدى أفلاطون، إلى عالم الواقع (أو المظهر)، وحوّل القصائد والدراما إلى أنواع من الموضوعات ذاتِ أشكال وصور خاصة، يمكن معرفتها بواسطة تلك الذات الباحثة والساعية وراء المعرفة. لقد جعلها محاكاة. وقد سار المذهب المسيحي، بعد زمن من تحريم الصورة، على منوال أرسطو، فأعلى أيضا من شأن الصور المقدسة الثابتة، في مواجهة الواقع التاريخي المتغير، ومادامت المنزلة السامية للإنسان على الأرض يمكن تبريرها في ضوء القول، إنه قد صُنع “على صورة الله”. والأكثر أهمية أن تجسيد السيد المسيح، تم تفسيره بأنه تأكيد واحتفال بعملية “صناعة الصورة” في ذاتها، وذلك لأن السيد المسيح كان “الكلمة”، «في البدء كانت الكلمة»، لكنه أصبح جسدا، أي نوعا من التصوير المرئي لمن هو غير مرئي، مثلما كان الضوء خارج كهف أفلاطون صورة للواقع غير المرئي. وهكذا فإن المرئي، بوصفه لغير المرئي، تمنح له بعض الفضائل الخاصة بغير المرئي.
أما في التصور اللغوي عند الفلاسفة العرب، فنجد أن الصورة هي: ما به الشيء هو هو، صفات الشيء المميّزة. وباتصال الصورة بالهيولى تتم عملية الخلق.[22]
أما من جهته فيذهب بودريار إلى طريق مضادة للطريق التي اختطها أفلاطون وأشار إليها في ما يخُصُّ الصورة، بوصفها ظلا للواقع (سيمولاكر)، ولهذا فـ بودريار يرى “أنها الواقع ذاته”. هكذا يفصح بودريار عن العلاقة بين الواقع والنسخة المنقولة عنه، بين الأصلي والزائف. وخلال ذلك قام بطرح تحديثات وأسئلة متشككة في البديهيات الأولية التي طالما اعتنقها العقل الغربي، والتي منها أنها هناك أصلا (eidos) متميزا من النسخة أو الصورة، فقال بودريار، إن كل شيء هو نسخة منقولة عن نسخة أخرى، وإننا موجودون في عالم من المحاكاة والنسخ غير ذات الأصل المحدد simulation and simulacra.
- الصورة القناع والصورة العينية:
ونجد في اللغة الإغريقية القديمة، imago المصطلح الذي انحدر منه مصطـلح image (صورة)، يعني “القناع الشمعي الذي يوضع على وجوه الموتى، والذي يضعه القاضي في الجنازة”. كما أن التمثال idole (الصنم) في اللغة اليونانية، هو رديف طيف الموتى قبل أن يصبح حاملا لمعنى الصورة، والصورة الشخصية. أما الإشكالات الكبرى التي تطرحها الصورة – سواء كانت يدوية أو تمّ إنتاجها آليا، ثابتة أو متحركة، يعرضها جاك أومون J. Aumont في مؤلف “الصورة”[23] على طول ستة مقاربات متتالية: الصورة باعتبارها ظاهرة الإدراك الحسي phénomène perceptif (فيزيولوجيا الإدراك)، لكن أيضاً هي موضوع النظر من قبل متفرج spectateur (علم النفس)؛ تؤسس لعلاقة مع المتفرج عبر تدخل وسيط médium أو جهاز خاص (سوسيولوجيا، علم الوسائط)؛ كما يمكن أن تكون مستعملة لأغراض عديدة ولها قيم متغيّرة valeurs variables (الأنتروبولوجيا)؛ وأما قيمتها الاجتماعية عرفت مراحل كبرى من التحول (التاريخ)؛ وفي النهاية، لها قوى خالصة، التي تميزها عن اللغة ومظاهر رمزية manifestations symboliques إنسانية أخرى (علم الجماليات).
ويسجل رولان بارت في مقاله الموسوم بـ”بلاغة الصورة” Rhétorique de l’image، حسب علم الاشتقاق القديم، أن كلمة صورة image مرتبطة بالجذر محاكاة [24]Imitari . ها نحن في قلب أهم مشكل قد طرح على سيميولوجيا الصور: التمثيل التناظري (النسخة) هل هو قادر على إنتاج أنظمة حقيقية للعلامات وليس فقط مجرد اِلْتِحامات بسيطة للرموز؟ سنن تناظري، وليس أبدا رقمي. هل هو محفوظ؟ نعلم أن اللسانيين يجعلون خارج اللغة كل تواصل بالتناظر، ومن “لغة النحل” إلى “لغة الحركات” في حين أن هذه الاتصالات ليست واضحة من الوجهين، أي مؤسسة نهاية على توليفة لوحدات رقمية. كما هو عليه حال الفونيمات les phonèmes[25].
لا يتوقف إدراك الصورة عند اللسانيين لوحدهم، بل نجد الأمر مطروح بشدة في الفلسفة، وعند الفلاسفة. فقد جعل هؤلاء للفكرة مادة وصورة. وجعلوا مادة الفكر هي حدوده التي يتألف منها، وصورته هي تلك العلاقات التي توجد بين تلك الحدود[26].
و قد فرق إمانويل كانط، في نظرية المعرفة، بين المادة والصورة، فأطلق لفظ المادة على ما في المعرفة من عناصر مُسْتَمدَّة من الإحساس والتجربة، وأطلق لفظ الصورة على ما في المعرفة من عناصر مُستمَدّة من قوانين العقل، ذلك لأن قوانين العقل عنده تُرَتِّب معطيات الحس، وتفرغها في قوالب تعين على إدراكها وفهمها. فالزمان صورة الحس الداخلي، و المكان صورة الحس الخارجي، والزمان والمكان صورتان قبليتان تنظمان المدركات الحسية، و كذلك مقولات العقل ومعانيه الكلية، فهي صور محيطة بالتصورات الجزئية.[27]
وإن كانت الصورة كما حدَّدها جاك أومون، غرضاً مرئياً وبصرياً[28]، أي ما يدركه الإنسان بواسطة عينه، وهو ما نصطلح عليه بـ”الإدراك البصري”[29]، فالصورة تكون هي كل ما ندركه بالعي المجردة. إلا أن الخيال الإنساني، يبحث دائما عن تأسيس للصور الجديدة والأولانية في تشكلها لزماني. ويؤكد غاستون باشلار، بأن الخيال يصيغ الصور التي تحررنا من الصور الأولى، وبالطبع تلك التي تتأتى من الإدراك[30]. فمع باشلار تغير الخيال من “ملكة تشكيل الصور” إلى أخرى تقوم على تغيير الصور التي يقدمها الإدراك.
[1] Paivio, A. Mental Imagery in associative learning and memory. Psychological Review, 1969.
[2] رجيس دوبري، حياة الصورة وموتها، ترجمة فريد الزاهي، أفريقيا الشرق، الطبعة الثانية، 2013، ص 17.
[3] عبد الفتاح كيليطو، حصان نيتشه، خصومة الصّور، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار تبقال، ط 2، 2015، ص 21.
[4] أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر، بيروت، المجلد الرابع. 2010، ص 473
[5]أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري، المصباح المنير،المكتبة العصرية للطباعة و النشر، بيروت ، 1996، ص 182
[6]بطرس البستاني، قطر المحيط، مكتبة لينان، المجلد الأول، 1969، ص 1169
[7] راجع : بطرس البستاني، قطر المحيط، مكتبة لينان، المجلد الأول، 1969، ص 1169
[8] Moulim El Aroussi, Esthétique et Art islamique, Afrique orient 1991, p. 25.
[9] إدريس كثير، هشاشة الفن المفرطة، منشورات مقاربات، الطبعة الثانية، 2016، ص 20.
[10] El Aroussi, Esthétique et Art islamique, p 119.
[11] الحلاج، الحسين بن منصور، الطواسين، إعداد رضوان السح، تقديم عبد القادر الحصني، دار الفرقد، ط 1، 2010، ص 219.
[12] المرجع السابق، ص 206.
[13] Voir : Paul Klee, Théorie de l’art moderne, trad. Pierre-Henri Gonthier, 1971.
وأنظر: بول كلي، نظرية التشكيل، ترجمة عادل السيوي، ميريت للنشر والمعلومات، 2005.
[14] مقاديسي، متي وآخرون: الفلسفة والعلم، مراجعة وتقديم: عبد الأمير الأعسم، سلسلة المائدة الحرة، بيت الحكمة، 2000.ص 10.
[15] وفي حديث “عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله: “هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ “قالوا: لا يا رسول الله . قال: “هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟” قالوا : لا . قال: “فإنكم ترونه كذلك” (رواه البخاري ( 6088 ) ومسلم ( 267 )).
[16] موريس ميرلو بونتي، ظواهر الإدراك، ترجمة فؤاد شاهين، معهد الاتحاد العربي، 1998، ص 67.
[17] أنظر: شاكر عبد الحميد، عصر الصورة، سلسلة عالم المعرفة، يناير 2005.
[18] موريس ميرلو بونتي، العين والعقل، ترجمة الحبيب الشاروني، منشأة المعارف للنشر، مصر، 1987.
[19] المرجع السابق، ص 16-17.
[20]ميرلو بونتي، ظواهر الإدراك، ص 78.
[21] المرجع السابق، ص 35.
[22] جبران مسعود، الرائد، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، المجلد الثاني، 1981، ص 937
[23] Voir : Jacques Aumont, L’image , Collection Nathan Université, Ed.Nathan ,Paris,1990
[24] Roland Barthes, Rhétorique de l’image, in Communications N° 4, 1964, P 40.
[25] Ibid., P 40
[26] مثال ذلك إذا قلنا في قياس من الشكل الأول والضرب الأول: كل زئبق معدن، وكل معدن صلب، فكل زئبق صلب، كانت مادة هذا القياس مؤلفة من ثلاثة حدود، و هي الزئبق و المعدن، والصلب، و كانت صورته مؤلفة من العلاقة الموجودة بين هذه الحدود الثلاثة، وهي علاقة صورية إذا وضعت لزم عن مقدماتها بذاتها لا بالعرض نتيجة ضرورية، وإذا كان هذا القياس كاذبا فمرد ذلك إلى الخطأ الواقع في مادته لا في صورته.
[27] أنظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية و الفرنسية و الإنجليزية و اللاتينية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982، ص 741 -ص745
[28] جاك أومون، الصورة، ترجمة ريتا الخوري، المنظمة العربية للترجمة، ط 1، 2013، ص 17.
[29]إن الإدراك البصري هو معالجة، على مراحل، للمعلومات التي تصل إلى العين بواسطة الضوء. وهي مثل كلّ المعلومات الأخرى، مشفرة، ما يعني أنّه في إمكان النظام البصري أن يستبدل على بعض الضوابط في الظواهر الضوئبة (phénomènes lumineux)، التي تصل إلى العين ويُحلّلها أيضاً.
[30] سعيد بوخليط، المتخيل والعقلانية، دراسات في فلسفة باشلار، منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف، 2013، ص22.
التعليقات مغلقة.