الصوفية والسرد مَا بَيْنَ الْكَلِمَة وَالصُّورَة مَا بَيْنَ النَّصِّ والسينما ورحلة الْبَحْثِ عَنْ اللَّهِ – سارة عبد العزيز

مِلَفّ عَنْ الصُّوفِيَّةِ فِي السِّينِما تنشر في عدة فصول                                                                                                        الْفصل الْأَوَّلِ

تِلْك الْعَلَاقَة الوطيدة الَّتِي تُرْبَطُ الصُّوفِيَّة بِالْكَلِمَة وَالصُّورَة وَتُعَدّ السِّينِما مُعَبِّرٌ أَسَاسِيٌّ لتك الْعَلَاقَة فَكُلّ التَّجَارِب السينمائية الَّتِي قَامَتْ عَلَى سَرْد صُوفِي كَانَت لِتِلْك الْعَلَاقَة دَوْرَ البُطولَةِ بِهَا وَهُنَاك أافلام شَهِيرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ تُوصَفَ بِأَنَّهَا تَجَارِب صُوفِيَّة مكتملة مِثْلِ بَابًا عَزِيزٌ وطوق الْحَمَامَة الْمَفْقُود لناصر الخَمِير وَهُنَاك تَجَارِب عَظِيمَةٌ تَبْدُو الرُّوح الصُّوفِيَّة بِهَا مِثْلُ الشذى الْعَابِر وَلَكِنْ مِنْ الصَّعْبِ الْإِمْسَاك بِتِلْك الرُّوح وَلَكِنَّهَا تتجلى بَيْن ثَنَايَا السَّرْد تشعربها أكثرما تَيَقُّنِهَا مِثْل مُومِياء شادِي عَبْدِ السَّلَامِ وَبَعْض تَجَارِب الايراني عَبَّاس كيروستامي وَمَا بَيْنَ إشْعَارٌ جَلَالُ الدِّينِ الرُّومِيّ وَإِشْعَار نَاصِر الشِّيرَازِيّ وَالْكَلِمَاتِ الَّتِي كَتَبَهَا قُدَمَاء الْمِصْرِيِّين فِي جداريات تَهَيَّم بَحَثَا عَنْ أَاللَّه وَالْوُجُود وَالْحَبّ عَنَاصِر مُشْتَرَكَة لبهاء الْكَلِمَة وَوَجَدَهَا فِي تِلْكَ التَّجَارِب السينمائية’ الَّتِي اتطرق لَهَا فِي ذَلِكَ المقال . . التَّجْرِبَة الصُّوفِيَّة بِمَا تَحْمِلُهُ مِنْ أَسْرَارِ ومكنونات فِي السِّينِما مَوْضُوعٌ غَنِيٌّ جَدِيرٌ بِالِالْتِفَات لَهُ مِنْ عِدَّةِ رَوَى .

مَلامِح عَن الشخصية الصُّوفِيَّة السينمائية: 

تَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ مِنْ جلال الدَّيْنِ الرومي مُرُورًا بالأديان السَّمَاوِيَّة وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدْيَانِ الْوَضْعِيَّة مِثْل البُوذية والزرد تشتية تَمْر الصُّوفِيَّة مُرُور الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ بَيْن رَغْبَة حَقِيقِيَّةٌ فِي الزُّهْدِ عَنْ ماّخذ الْحَيَاة وَفِي شَوْقٌ لِلْبَحْثِ عَنْ اللَّهِ وَالْحَبّ كَيْف للشعراء والتشكيليون والمبدعون فِي كَافَّة مجالات الْإِبْدَاع أَن يهربوا مِنْ تِلْكَ التزعة الصُّوفِيَّة وَهِيَ فِي أَسَاسُهَا بَحَثَا عَنْ الْجَمَالِ فِي صُورَتِهِ الْمُطْلَقَة يبدوأن السِّينِما كَانَتْ وَلَا تَزَالُ مَأْثُورَةٌ بِتِلْك النَّزَعَة وَلَيْسَ مِنْ فَرَاغِ أ ن يُصْبِح عاشقي تِلْكَ الرُّوحُ الصُّوفِيَّة و الَّتِي تَوَهَّجَت فِي أَعْمَلُهُم مِن صانعي الافلام أَنْ تُصْبِحَ أُصُولِهِم شُعَرَاء أَو تشكيليون وَهِي فُنُون تحتفي دَائِمًا بِالصُّوفِيَّة لانتمائم إلَى فُنُون فَرْدَيْه تَأْخُذ الْمُبْدِع لعوالم أَشْبَه بِالْخَلْوَة الْمُتَصَوِّفَة وكمايقول الْغَزَالِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ يُلزِم الْمُرِيد زَاوِيَة يَنْفَرِدُ بِهَا، وَيُؤْكَل بِهِ مِنْ يَقُومُ لَهُ بِقَدْرِ يَسِيرٍ مِنْ الْقُوتِ الْحَلَال – فإنَّ أَصْلِ الدَّيْنِ الْقُوت الْحَلَال – وَعِنْدَ ذَلِكَ يُلَقِّنُه ذكراً مِنْ الْأَذْكَارِ، حَتَّى يَشْغَلُ بِهِ لِسَانُهُ وَقَلْبِهِ، فَيَجْلِس وَيَقُول مثلاً: اللَّه، اللَّه، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ مَا يَرَاهُ الشَّيْخُ مِنْ الْكَلِمَاتِ، فَلَا يَزَالُ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَسْقُطَ الْأَثَرُ عَنْ اللِّسَانِ، وَتَبْقَى صُورَةَ اللَّفْظِ فِي الْقَلْبِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تُمحى مِنْ الْقَلْبِ حُرُوف اللَّفْظ وَصُورَتُه، وَتَبْقَى حَقِيقَةً مَعْنَاهُ لَازِمَةٌ لِلْقَلْب، حَاضِرَةٌ مَعَهُ، غَالِبَةً عَلَيْهِ، قَدْ فَرَغَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّ الْقَلْبَ إذَا اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ خَلَا عَنْ غَيْرِهِ – أيَّ شَيْءٍ كَانَ – فَإِذَا اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، خَلًّا لَا مَحَالَةَ مِنْ غَيْرِهِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاقِبَ وَسَاوِس الْقَلْب، وَالْخَوَاطِر الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا ، وَمَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى مِنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَال غَيْرِه، فَإِنَّهُ مَهْمَا اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْهُ – وَلَوْ فِي لَحْظَةِ – خَلَا قَلْبَهُ عَنْ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةَ ، وَكَان أيضاً نقصاناً . فَلْيَجْتَهِد فِي دَفْعِ ذَلِكَ، وَمَهْمَا دَفَع الْوَسَاوِس كُلُّهَا ، وردَّ النَّفْسِ إلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ ، جَاءَتْه الْوَسَاوِس مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَنَّهَا مَا هِيَ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِنَا: اللَّه؟ وَلِأَيّ مَعْنَى كَانَ إلهاً، وَكَان معبوداً؟ فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ لِلْغَزَالِيّ نَرَى ضَرُورَة إلْمَامٌ الصُّوفِيَّة بِالْكَلِمَة وَالصُّورَة وشوقها لِلْعُزْلَة لِكَي تَكْتَمِل وَفِي هَذَا عِلاقَة وَطِيدَة بَيْن الصُّوفِيَّة والتجارب السينمائية الَّتِي سأتطرق لَهَا فِي تلك الدراسة وَكَمَا يبدوأن وَهَج عِلاقَة الصُّورَة والْكَلِمَة وَاللَّفْظ فِي أَقْصَاهَا فِي الصُّوفِيَّةِ نَرَى هَذَا أَيْضًا فِي التَّشْكِيل والشعرتلك الْفُنُون الَّتِي يَنْتَمِي لَهَا صانعي تِلْك الافلام الغارقة فِي الرُّوحِ الصُّوفِيَّة وَاَلَّتِي تُطْلَب الْعُزْلَة أَكْثَرَ مِنْ الْفُنُونِ السينمائية بروحها الجَمَاعِيَّة الَّتِي تُسْتَمَدّ مِنْهَا طَاقَتِهَا وأبداعها فَكُلَا مِنْ عَبَّاسِ كيروستامي وشادي عَبْدِ السَّلَامِ وَنَاصِر خُمَيْر فِي الْأَصْلِ شُعَرَاء أَو تشكيليون وَغَيْر منتمين إلَى الْعَالِمِ السِّينِمائِيّ وأروقته أَوْ حَتَّى لَا نلمح أَي مُبْتَغَى تُجَارِي مِنْ وَرَاءِ صِنَاعَة افلامهم المتفردة. (أنَا أَمْيَل لِلْقَوْل أَن النُّقْطَة الْمُشْتَرَكَة الوَحِيدَةُ الَّتِي أَمْلَكَهَا الْيَوْمَ مَعَ الْمَخْرَجَيْن الشَّبَابِ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةَ هِيَ الشَّبَاب بِنَفْسِه. أَنَّا لَمْ أتابع أَي دِراسات فِي فَنِّ السِّينِما. لَمْ أَكُنْ أُرِيد الْعَمَلِ فِي هَذَا الْمَجَال. كُنْت أدرس الرَّسْم وَلَكِنَّنِي لَمْ أَصْبَح رساماً فِي نِهَايَةِ الْمَطَاف. ثُمّ ذَاتَ يَوْمٍ أدْرَكْتُ أنَّ السِّينِما تُشْكِل مَلْجَأ بِالنِّسْبَة لِي وَإِنْ الفِيلْم سَيَكُون بِمَثَابَة وسيط سيساعدني عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ نَفْسِي بِشَكْل أفضل)  تِلْكَ الْكَلِمَاتِ عَلَى لِسَانِ الْمَخْرَج عَبَّاس كيروستامي فِي أَحَدِ اللقاءات لَه تُعَبِّرُ عَنْ انزوائه مِنْ الْوَسَطِ السِّينِمائِيّ وَكَأَنَّه فَنّان عَابِر بالسينما وَعَالَمِهَا و لَيْس مَخْرَج مُحْتَرَف وَبِالْإِضَافَة لِهَذَا التَّعَفُّفَ عَنْ الْعَالِم السِّينِمائِيّ التِّجارِيّ نَرَى أَأَن كُلًّا مِنْهُمْ يُحْمَل دَاخِلَةٌ قَضِيَّةُ مَا بَعِيدًا عَنْ قَضَايَا السِّينِما التِّجَارِيَّة النمطية. (قَضِيَّتَي هِي التَّارِيخ الْغَائِب.. النَّاسِ الَّذِينَ تَرَاهُم فِي الشَّوَارِعِ وَالْبُيُوت والمصانع وَالْمُزَارِع .. هَؤُلَاء النَّاسُ لَهُمْ تَارِيخ وساهموا يومًا فِي تَشْكِيل الْحَيَاةِ بَلْ فِي صَنَعَهَا. . اغنوا الْإِنْسَانِيَّة. . كَيْف نستعيد مساهتهم الْإِيجَابِيَّة فِي الْحَيَاةِ. . لاَبُدّ أولًا أَنْ يَعْرِفُوا مَنْ هُمْ وَمَاذَا كَانُوا وَمَاذَا قَدِمُوا . . لاَبُدَّ أَنْ نُوصِل بَيْنَ إنْسَانٍ الْيَوْم وَإِنْسَانٌ الأمْس لنقدم إنْسَانٌ الْغَد. . هَذِهِ هِيَ قضيتي)، فِرْعَوْن السِّينِما شادِي عَبْدِ السَّلَامِ يَبُوح بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ فِي إحْدَى اللقاءات الصحفية الْقَلِيلَة والشحيحة لَه لنلمح خِلَالِهَا غوصه فِي قَضِيَّتُه لَيْس فَقَط الْبَحْثِ عَنْ تَارِيخِ الْإِنْسَان الْمِصْرِيّ الْقَدِيم وجذوره وانتمائه بَلْ عَنْ مَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ الْبَسِيط باعمق الْإِشْكَال بِدَايَةَ مَنْ حَيَاتِهِ اليَوْمِيَّةِ الْبَسِيطَة وُصُولًا إلَى رَحْلِهِ بَحَثَه عَنْ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ فَرَاغِ أَنْ يُصْبِحَ عِنْد شادِي مَشْرُوعٌ مُعَلَّقٌ بِاسْم ثُلَاثِيَّة الْبَحْثِ عَنْ اللَّهِ لِتَأْتِي بُرْهَانًا وَاضِحًا عَنْ تِلْكَ الرُّوحُ الصُّوفِيَّةِ فِي مَرْجِعِيَّة شادِي وَرَوَاه وَاَلَّتِي تَجَلَّت كَثِيرًا عَبَّر الْكَلِمَة تَارَة وَالصُّورَة تَارَةً أُخْرَى وَالصَّمْتُ فِي أَوْقَاتِ كَثِيرَةٍ , الْكَلِمَةِ عِنْدَ شادِي لَهَا جَلَال وَوَقَع غَرِيبٌ أَشْبَه بالأسطوره ذَاتِهَا رُبَّمَا أَنَّهُ أَتَى بِكَلِمَاتِه مِنْ الْإِنْسَانِ الْمِصْرِيّ الْقَدِيم وبردياته وجدارياته الْخَالِدَة ومُمْتَلِئ تَمَامًا بِالْأَقْوَال الصُّوفِيَّة وَالشَّعْر وَلَكِن بِشَكْل غَيْرُ مُبَاشِرٍ(الصَّمْتَ فِي الْقَاهِرَةِ.. السَّمَاء حَزِينَةٌ.. النَّهْر حَزِينٌ.. الْقَاهِرَة قَلْبُهَا كَفَّ عَنْ النبض) تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يبداْ بِهَا فيلمه (أنشودة الْوَدَاع) الَّذِي يُوثَقُ جِنَازَة نَاصِر المهيبة ليجىء الفِيلْم مَحَبَّة وإجْلَال لِذَلِك الْقَائِد الَّذِي أَحَبَّه شُعْبَة لِدَرَجَة أَشْبَه بِالْعِبَادَة أَنَّهَا تِلْك الْعَلَاقَة المعقدة بَيْنَ الْخَالِقِ والْمَخْلُوقِ فِي الصُّوفِيَّةِ أَيْضًا عِلاقَة مَا بَيْنَ الْحَبّ والتمرد.. اللَّهُ هُنَا يُصْبِحُ مَعْشُوقٌ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ مَعْبُود… لَيْسَت فَقَط مَحَبَّة بَل عِلاقَة أَشْبَه بِالْعُبُودِيَّة بِذَلِك الفِيلْم يُنْكِر شادِي كَرَاهِيَة كَانَتْ تُشَاعُ بِسَبَبِ مَنْعِ فيلمه المومياء لسنوات مِنْ قِبَلِ عَنَاصِر بوزارة الثَّقَافَة وَقْتِهَا وَفِي عَهْدِ عَبْدِ النَّاصِرِ الَّذِي اجْتَمَعَ الْكَثِيرِ عَلَى حُبِّهِ لِدَرَجَة أَشْبَه بِعِبَادَة معلنة مَا ; إلَى اللِّقَاء فِي الْفصل الثَّانِي.

التعليقات مغلقة.